اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ} (2)

قوله : { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ } هذا جواب القسم ، والمعنى : ما ضل صاحبكم يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - ما ضل عن طريق الهدى «وَمَا غَوَى » ذهب أكثر المفسرين إلى أن الضلال والغي بمعنى واحد . وفرق بعضهم بينهما قال : الضلال في مقابلة الهدى والغي في مقابلة الرشد ، قال تعالى : { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرّشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغيّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } [ الأعراف : 146 ] وقال تعالى : { قَد تَّبَيَّنَ الرّشد مِنَ الغيّ } [ البقرة : 256 ] .

قال ابن الخطيب : وتحقيق القول فيه أن الضلال أعمّ استعمالاً في الوضع ، تقول : ضَلَّ بَعِيرِي ورَحْلِي ولا تقول غيَّ{[53359]} ؛ فالمراد من الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقاً أصلاً ، والغواية أن لا يكون له طريق إِلَى القصد مستقيم ، ومما يدل على هذا قولك للمؤمن الذي ليس على طريق السداد : إنَّه سَفِيهٌ غير رشيدٍ ولا تقول : إنه ضال فالضال كالكافر والغَاوي كالفاسق كأنه تعالى قال : ما ضَلَّ أي ما كفر ولا أقلّ من ذلك فما فسق أو يقال : الضلال كالعدم والغواية كالوجود الفاسد في الدرجة والمرتبة .

قال : ويحتمل أن يكون المراد معنى قوله «مَا ضلَّ » أي ما جُنَّ فإنَّ المجنون ضالٌّ وعلى هذا فهو كقوله : { والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } [ القلم : 1 و2 ] . ومعنى صاحبكم إما سيدكم أو وصاحبكم ( مَا غَوَى ) أي ما تكلم بالباطل{[53360]} . وقيل : ما خاب والغَيّ الخيبة{[53361]} .


[53359]:كذا في النسختين وفي الرازي: "غوى".
[53360]:وانظر تفسير الرازي 28/280.
[53361]:نقله إمام قرطبة في الجامع له ولم يحدده. انظر الجامع للقرطبي 17/84.