غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ} (2)

1

والنبي صلى الله عليه وسلم تميز من سائر الأنبياء بالمعجزات الباهرات ولاسيما فإنه حين ظهر زال يبس الكوك وحرارة الحمية الجاهلية وأدرك الحكمة ورجم به شياطين الإنس المضلين لعباد الله في أرضه ، ونبت بوجوده أصناف الأغذية الروحانية تامة كاملة . قال جار الله : الضلال نقيض الهدى ، والغي نقيض الرشد ، والخطاب لقريش . قلت : هذا صادق من حيث الاستعمال لقوله { قد تبين الرشد من الغي } [ البقرة :256 ] { من يضلل الله فلا هادي له } [ الأعراف :186 ] إلا أنه ينبغي أن يتبين لا فرق بين الضلال والغواية . والظاهر أن الضلال أعم وهو أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقاً أصلاً ، والغواية أن لا يكون له إلى المقصد طريق مستقيم ولهذا لا يقال للمؤمن من إنه ضال أو غير مهتد ويقال له إنه غوي غير رشيد . قال عز من قائل

{ فإن آنستم منهم رشداً } [ النساء :6 ] فكأنه سبحانه نفى الأعم أولاً ثم نفى الأخص ليفيد أنه على الجادة غير منحرف عنها أصلاً . ويحتمل أن يكون قوله { ما ضل } نفياً لقولهم هو كاهن أو مجنون لأن الكهانة أيضاً من مسيس الجن . وقوله { وما غوى } نفي لقولهم هو شاعر والشعراء يتبعهم الغاوون . ويحتمل أن يكون الأول عبارة عند صلاحه في أمور المعاد ، والثاني إشارة إلى رشده في أمور المعاش ومنه يعلم أن أقواله كلها على سنن الصواب إلا أنه كان يمكن أن تكون مستنبطة من العقل أو العرف أو العادة ، فأسندها الله سبحانه إلى طريق أخص وأشرف وهو أن تكون مستندة إلى الوحي فقال بصيغة تفيد الاستمرار .

/خ62