مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

وقوله تعالى : { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى } حال أخرى مضادة للأولى يعذر فيها المتولي وهو الجهل المطلق فإن من علم الشيء علما تاما لا يؤمر بتعلمه ، والذي جهله جهلا مطلقا وهو الغافل على الإطلاق كالنائم أيضا لا يؤمر فقال : هذا المتولي هل علم الكل فجاز له التولي أولم يسمع شيئا وما بلغه دعوة أصلا فيعذر ، ولا واحد من الأمرين بكائن فهو في التولي غير معذور ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قوله تعالى : { وإبراهيم الذي وفى } يحتمل وجهين : ( أحدهما ) أن يكون المراد ما فيها لا بصفة كونه فيها ، فكأنه تعالى يقول : أم لم ينبأ بالتوحيد والحشر وغير ذلك ، وهذه أمور مذكورة في صحف موسى ، مثال : يقول القائل لمن توضأ بغير الماء توضأ بما توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالكلام مع الكل لأن المشرك وأهل الكتاب نبأهم النبي صلى الله عليه وسلم بما في صحف موسى ( ثانيهما ) أن المراد بما في الصحف مع كونه فيها ، كما يقول القائل فيما ذكرنا من المثال توضأ بما في القربة لا بما في الجرة فيريد عين ذلك لا جنسه وعلى هذا فالكلام مع أهل الكتاب لأنهم الذين نبئوا به .

المسألة الثانية : صحف موسى وإبراهيم ، هل جمعها لكونها صحفا كثيرة أو لكونها مضافة إلى اثنين كما قال تعالى : { فقد صغت قلوبكما } ؟ الظاهر أنها كثيرة ، قال الله تعالى : { وأخذ الألواح } وقال تعالى : { وألقى الألواح } وكل لوح صحيفة .

المسألة الثالثة : ما المراد بالذي فيها ؟ نقول قوله تعالى : { ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وما بعده من الأمور المذكورة على قراءة من قرأ أن بالفتح وعلى قراءة من يكسر ويقول : { وأن إلى ربك المنتهى } .

ففيه وجوه أحدها : هو ما ذكر بقوله : { ألا تزر وازرة وزر أخرى } وهو الظاهر ، وإنما احتمل غيره ، لأن صحف موسى وإبراهيم ليس فيها هذا فقط ، وليس هذا معظم المقصود بخلاف قراءة الفتح ، فإن فيها تكون جميع الأصول على ما بين ( ثانيها ) هو أن الآخرة خير من الأولى يدل عليه قوله تعالى : { إن هذا لفي الصحف الأولى ، صحف إبراهيم وموسى } ( ثالثها ) أصول الدين كلها مذكورة في الكتب بأسرها ، ولم يخل الله كتابا عنها ، ولهذا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { فبهداهم اقتده } وليس المراد في الفروع ، لأن فروع دينه مغايرة لفروع دينهم من غير شك .

المسألة الرابعة : قدم موسى هاهنا ولم يقل كما قال في { سبح اسم ربك الأعلى } فهل فيه فائدة ؟ نقول : مثل هذا في كلام الفصحاء لا يطلب له فائدة ، بل التقديم والتأخير سواء في كلامهم فيصح أن يقتصر على هذا الجواب ، ويمكن أن يقال : إن الذكر هناك لمجرد الإخبار والإنذار وهاهنا المقصود بيان انتفاء الأعذار ، فذكر هناك على ترتيب الوجود صحف إبراهيم قبل صحف موسى في الإنزال ، وأما هاهنا فقد قلنا إن الكلام مع أهل الكتاب وهم اليهود فقدم كتابهم ، وإن قلنا الخطاب عام فصحف موسى عليه السلام كانت كثيرة الوجود ، فكأنه قيل لهم انظروا فيها تعلموا أن الرسالة حق ، وأرسل من قبل موسى رسل والتوحيد صدق والحشر واقع فلما كانت صحف موسى عند اليهود كثيرة الوجود قدمها ، وأما صحف إبراهيم فكانت بعيدة وكانت المواعظ التي فيها غير مشهورة فيما بينهم كصحف موسى فأخر ذكرها .

المسألة الخامسة : كثيرا ما ذكر الله موسى فأخر ذكره عليه السلام لأنه كان مبتلى في أكثر الأمر بمن حواليه وهم كانوا مشركين ومتهودين والمشركون كانوا يعظمون إبراهيم عليه السلام لكونه أباهم ، وأما قوله تعالى : { وفى } ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه الوفاء الذي يذكر في العهود وعلى هذا فالتشديد للمبالغة يقال وفى ووفى كقطع وقطع وقتل وقتل ، وهو ظاهر لأنه وفى بالنذر وأضجع ابنه للذبح ، وورد في حقه : { قد صدقت الرؤيا } وقال تعالى : { إن هذا لهو البلاء المبين } ( وثانيهما ) أنه من التوفية التي من الوفاء وهو التمام والتوفية الإتمام يقال وفاه أي أعطاه تاما ، وعلى هذا فهو من قوله : { وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } وقيل : { وفى } أي أعطى حقوق الله في بدنه ، وعلى هذا فهو على ضد من قال تعالى فيه : { وأعطى قليلا وأكدى } مدح إبراهيم ولم يصف موسى عليه السلام ، نقول : أما بيان توفيته ففيه لطيفة وهي أنه لم يعهد عهدا إلا وفى به ، وقال لأبيه : { سأستغفر لك ربي } فاستغفر ووفى بالعهد ولم يغفر الله له ، فعلم { أن ليس للإنسان إلا ما سعى } وأن وزره لا تزره نفس أخرى ، وأما مدح إبراهيم عليه السلام فلأنه كان متفقا عليه بين اليهود والمشركين والمسلمين ولم ينكر أحد كونه وفيا ، وموفيا ، وربما كان المشركون يتوقفون في وصف موسى عليه السلام .

 
المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

36 - بل ألم يخبَر بما في صحف موسى وإبراهيم الذي بلغ الغاية في الوفاء بما عاهد الله عليه : أنه لا تحمل نفس إثم نفس أخرى ؟ !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

{ وإبراهيم الذي وفى } وفى وأتم ما التزمه وأمر به ، أو بالغ في الوفاء بما عاهد الله ، وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمله غيره كالصبر على نار نمروذ حتى أتاه جبريل عليه السلام حين ألقي في النار فقال ألك حاجة ، فقال أما إليك فلا ، وذبح الولد وأنه كان يمشي كل يوم فرسخا يرتاد ضيفا فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم ، وتقديم موسى عليه الصلاة والسلام لأن صحفه وهي التوراة كانت أشهر وأكبر عندهم .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

أم لم يُنَبَأْ هذا الكافرُ بما في صحف موسى ، وصحف إبراهيم الذي وفّى ؛ أي أتمَّ ما طُولِبَ به في نَفْسِه ومالِه ووَلدِه .

   
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

ووفى : أتم ما أُمر به وأكمل .

وإبراهيمَ الذي بلغَ الغايةَ في الوفاء بما عاهد الله عليه ! ! وكانت قريش تدّعي أَنها على دِين إبراهيم ، بينما أن دين إبراهيم يخالفُ ما يقولون وما يعملون .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

{ وإبراهيم } وبما في صحف إبراهيم التي نزلت عليه { الذي وفى } أي وفر وأتم ما أمر به ، أو بالغ في الوفاء بما عاهد عليه الله تعالى ، وقال ابن عباس : وفي بسهام الإسلام كلها ولم يوفها أحد غيره وهي ثلاثون سهماً منها عشرة في براءة { إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وأموالهم } الآيات ، وعشرة في [ الأحزاب : 35 ] { إِنَّ المسلمين والمسلمات } الآيات ، وست في قد أفلح المؤمنون الآيات التي في أولها ، وأربع في سأل سائل { والذين يُصَدّقُونَ بِيَوْمِ الدين } [ المعارج : 26 ] الآيات ، وفي حديث ضعيف عن أبي أمامة يرفعه ، «وفيّ بأربع ركعات كان يصليهن في كل يوم » وفي رواية «يصليهن أول النهار » .

وأخرج أحمد من حديث معاذ بن أنس مرفوعاً أيضاً «إِلا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى أنه كان يقول كلما أصبح وأمسى َسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } الآية » وقال عكرمة : { وَفى } بتبليغ هذه العشرة { ألا تزر } [ النجم : 38 ] إلى آخره { وَقِيلَ ، وَقِيلَ } والأولى العموم وهو مروي عن الحسن قال : ما أمره الله تعالى بشيء إلا وفى به وتخصيصه عليه السلام بهذا الوصف لاحتماله ما لا يحتمله غيره ، وفي قصة الذبح ما فيه كفاية وخص هذان النبيان عليهما السلام بالذكر قيل : لأنه فيما بين نوح . وإبراهيم كانوا يأخذون الرجل بابنه وبأبيه وعمه وخاله ، والزوج بامرأته ، والعبد بسيده فأول من خالفهم إبراهيم وقرر ذلك موسى ولم يأت قبله مقرر مثله عليه السلام ، وتقديمه لما أن صحفه أشهر عندهم وأكثر ، وقرأ أبو أمامة الباهلي . وسعيد بن جبير . وأبو مالك الغفاري . وابن السميقع . وزيد بن علي { وفى } بتخفيف الفاء .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

المعنى :

وإبراهيم الذي وفي لربه في كل ما عهد به إليه من ذبح ولده حيث تله للجبين ليذبحه ، ومن بناء البيت والهجرة والختان بالقدوم إلى غير ذلك من التكاليف الشاقة . أي ألم ينبأ أي يخبر هذا الرجل الجاهل بما في صحف موسى بن عمران نبي إسرائيل وإبراهيم أبو الأنبياء .

/ذ54

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

{ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } أي : قام بجميع ما ابتلاه الله به ، وأمره به من الشرائع وأصول الدين وفروعه ، وفي تلك الصحف أحكام كثيرة من أهمها ما ذكره الله بقوله :