البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ} (37)

{ وإبراهيم } : أي وفي صحف إبراهيم التي أنزلت عليه ، وخص هذين النبيين عليهما أفضل الصلاة والسلام .

قيل : لأنه ما بين نوح وإبراهيم كانوا يأخذون الرجل بأبيه وابنه وعمه وخاله ، والزوج بامرأته ، والعبد بسيده .

فأول من خالفهم إبراهيم ، ومن شريعة إبراهيم إلى شريعة موسى صلى الله عليه وسلم عليهما ، كانوا لا يأخذون الرجل بجريمة غيره .

{ الذي وفى } ، قرأ الجمهور : وفي بتشديد الفاء .

وقرأ أبو أمامة الباهلي وسعيد بن جبير وأبو مالك الغفاري وابن السميفع وزيد بن علي : بتخفيفها ، ولم يذكر متعلق وفي ليتناول كل ما يصلح أن يكون متعلقاً له ، كتبليغ الرسالة والاستقلال بأعباء الرسالة ، والصبر على ذبح ولده ، وعلى فراق اسماعيل وأمه ، وعلى نار نمروذ وقيامه بأضيافه وخدمته إياهم بنفسه .

وكان يمشي كل يوم فرسخاً يرتاد ضيفاً ، فإن وافقه أكرمه ، وإلا نوى الصوم .

وعن الحسن : ما أمره الله بشيء إلا وفى به .

وعن عطاء بن السائب : عهد أن لا يسأل مخلوقاً .

وقال ابن عباس والربيع : وفي طاعة الله في أمر ذبح ابنه .

وقال الحسن وقتادة : وفى بتبليغ الرسالة والمجاهدة في ذات الله .

وقال عكرمة : وفي هذه العشر الآيات : { أن لا تزر } فما بعدها .

وقال ابن عباس أيضاً وقتادة : وفي ما افترض عليه من الطاعة على وجهها ، وكملت له شعب الإيمان والإسلام ، فأعطاه الله براءته من النار .

وقال ابن عباس أيضاً : وفي شرائع الإسلام ثلاثين سهماً ، يعني : عشرة في براءة التائبون الخ ، وعشرة في قد أفلح ، وعشرة في الأحزاب إن المسلمين .

وقال أبو أمامة : ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي أربع صلوات في كل يوم .

وقال أبو بكر الوراق : قام بشرط ما ادّعى ، وذلك أن الله تعالى قال له : أسلم ، قال : أسلمت لرب العالمين ، فطالبه بصحة دعواه ، فابتلاه في ما له وولده ونفسه ، فوجده وافياً .

انتهى ، وللمفسرين أقوال غير هذه .

وينبغي أن تكون هذه الأقوال أمثلة لما وفى ، لا على سبيل التعيين ،