قوله تعالى : { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا } أي اترك مجادلتهم فقد بلغت وأتيت بما كان عليك ، وأكثر المفسرين يقولون : بأن كل ما في القرآن من قوله تعالى : { فأعرض } منسوخ بآية القتل وهو باطل ، فإن الأمر بالإعراض موافق لآية القتال ، فكيف ينسخ به ؟ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالدعاء بالحكمة والموعظة الحسنة ، فلما عارضوه بأباطيلهم قيل له { وجادلهم بالتي هي أحسن } ثم لما لم ينفع ، قال له ربه : فأعرض عنهم ولا تقابلهم بالدليل والبرهان ، فإنهم لا يتبعون إلا الظن ، ولا يتبعون الحق ، وقابلهم بالإعراض عن المناظرة بشرط جواز المقابلة ، فكيف يكون منسوخا ، والإعراض من باب أشكاه والهمزة فيه للسلب ، كأنه قال : أزل العرض ، ولا تعرض عليهم بعد هذا أمرا ، وقوله تعالى : { عن من تولى عن ذكرنا } لبيان تقديم فائدة العرض والمناظرة ، لأن من لا يصغي إلى القول كيف يفهم معناه ؟ وفي { ذكرنا } وجوه : ( الأول ) القرآن ( الثاني ) الدليل والبرهان ( الثالث ) ذكر الله تعالى ، فإن من لا ينظر في الشيء كيف يعرف صفاته ؟ وهم كانوا يقولون : نحن لا نتفكر في آلاء الله لعدم تعلقنا بالله ، وإنما أمرنا مع من خلقنا ، وهم الملائكة أو الدهر على اختلاف أقاويلهم وتباين أباطيلهم ، وقوله تعالى : { ولم يرد إلا الحياة الدنيا } إشارة إلى إنكارهم الحشر ، كما قالوا { إن هي إلا حياتنا الدنيا } وقال تعالى : { أرضيتم بالحياة الدنيا } يعني لم يثبتوا وراءها شيئا آخر يعملون له ، فقوله { عن من تولى عن ذكرنا } إشارة إلى إنكارهم الحشر ، لأنه إذا ترك النظر في آلاء الله تعالى لا يعرفه فلا يتبع رسوله فلا ينفعه كلامه . وإذا لم يقل بالحشر والحساب لا يخاف فلا يرجع عما هو عليه ، فلا يبقى إذن فائدة في الدعاء ، واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان طبيب القلوب ، فأتى على ترتيب الأطباء ، وترتيبهم أن الحال إذا أمكن إصلاحه بالغذاء لا يستعملون الدواء ، وما أمكن إصلاحه بالدواء الضعيف لا يستعملون الدواء القوي ، ثم إذا عجزوا عن المداواة بالمشروبات وغيرها عدلوا إلى الحديد والكي وقيل آخر الدواء الكي ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أولا أمر القلوب بذكر الله فحسب فإن بذكر الله تطمئن القلوب كما أن بالغذاء تطمئن النفوس ، فالذكر غذاء القلب ، ولهذا قال أولا : قولوا لا إله إلا الله أمر بالذكر لمن انتفع مثل أبي بكر وغيره ممن انتفع ، ومن لم ينتفع ذكر لهم الدليل ، وقال : { أولم يتفكروا } { قل انظروا } { أفلا ينظرون } إلى غير ذلك ، ثم أتى بالوعيد والتهديد ، فلما لم ينفعهم قال : أعرض عن المعالجة ، واقطع الفاسد لئلا يفسد الصالح .
{ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا } أي عنهم ووضع الموصول موضع ضميرهم للتوسل به إلى وصفهم بما في حيز صلته من الأوصاف القبيحة ، وتعليل الحكم بها أي فأعرض عمن أعرض عن ذكرنا المفيد للعلم الحق وهو القرآن العظيم . المنطوي على بيان الاعتقادات الحقة . المشتمل على علوم الأولين والآخرين . المذكر للآخرة وما فيها من الأمور المرغوب فيها والمرهوب عنها ، والمراد بالإعراض عنه ترك الأخذ بما فيه وعدم الاعتناء به ، وقيل : المراد بالذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وبالإعراض عنه ترك الأخذ بما جاء به ، وقيل : المراد به الإيمان ، وقيل : هو على ظاهره والإعراض عنه كناية عن الغفلة عنه عز وجل { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا } راضياً بها قاصراً نظره عليها جاهداً فيما يصلحها كالنضر بن الحرث . والوليد بن المغيرة ، والمراد من الأمر المذكور النهي عن المبالغة في الحرص على هداهم كأنه قيل : لا تبالغ في الحرص على هدى من تولى عن ذكرنا وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته وقصارى سعيه .
{ فأعرض عمن تولى عن ذكرنا } : أي القرآن وعبادتنا .
{ ولم يرد إلا الحياة الدنيا } : ولم يرد من قوله ولا عمله إلا ما يحقق رغائبه من الدنيا .
فقال تعالى { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا } أي القرآن والإِيمان والتوحيد والطاعة ، ولم يرد بقوله وعمله واعتقاده إلا الحياة الدنيا إذ هو لا يؤمن بالآخرة فلذا هو قد كيَّف حياته بحسب الدنيا فكل تفكيره في الدنيا ، وكل عمله لها فيصبح بذلك أشبه بالآلة منه بالحيوان . وتصبح الحياة معه عقيمة الفائدة فلذا يجب الإِعراض عنه وتركه إلى أن يأذن الله فيه بشيء .
- التحذير من الماديين فإنهم شر وخطر وواجب الإِعراض عنهم لأنهم شر الخليقة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.