قوله : { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا } يعني القرآن . وقيل : الإيمان ؛ أي اترك مجادلتهم فقد بلَّغت وأتيت بما عليك .
قال ابن الخطيب : وأكثر المفسرين يقولون : كل ما في القرآن من قوله تعالى : { فَأَعْرِضْ } منسوخ بآية القتال ، وهو باطل ؛ لأن الأمر بالإعراض موافق لآية القتال فكيف ينسخ به ؟ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأول كان مأموراً بالدعاء بالحكمة والموعظة الحسنة فلما عارضوه بأباطيلهم أُمر بإزالة شبههم والجواب عن أباطيلهم ، وقيل له : { وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ } ثم لَمّا لم ينفع قال له ربه : أعْرِضْ عنْهُمْ ولا تقل لهم{[53601]} بالدليل والبرهان فإنهم لا ينتفعون به ولا يتبعون الحق وقاتلهم ، فالإعراض عن المناظرة شرط لجواز المُقَاتَلَةِ فكيف يكون منسوخاً بها{[53602]} ؟
قوله : { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا } إشارة إلى إنكارهم الحشر كقوله تعالى عنهم : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا } [ الأنعام : 29 ] وقوله : { أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا } [ التوبة : 38 ] وذلك أنه إذا تَرَكَ النظر في آلاء الله لا يعرفُهُ فلا يتبع رسوله فلا ينفعه كلامه ، وإذا لم يقل بالحشر والحساب لا يخاف فلا يرجع عما هو عليه فلا يبقى في الدعاء فائدة .
واعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كالطبيب للقلوب ، فأتى على ترتيب الأَطِبَّاء في أن المرض إذا أمكن إصلاحُهُ بالغذاء لا يستعملون الدواء القوي ، ثم إذا عجز{[53603]} عن المداواة بالمشروبات وغيرها عدلوا إلى الحَدِيد والكَيّ كما قيل : «آخِرُ الدَّوَاءِ الكَيُّ » ، فالنبي - عليه الصلاة والسلام - أولاً أمر القلوب بذكر الله حَسْب ، فإن بذكْرِ الله تطمئن القلوب ، كما أن بالغذاء تطمئن النفوس فالذكر غذاء القلب ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام - أولاً : «قُولُوا لاَ إلَه إلاَّ اللَّهُ » أمر بالذكر ، فانتفع مثلُ أبي بكر - رضي الله عنه - ومن لم ينتفع ذكر لهم الدليلَ وقال { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } [ الأعراف : 184 ] { قُلِ انظروا } [ يونس : 101 ] { أَفَلاَ يَنظُرُونَ } [ الغاشية : 17 ] إلى غير ذلك فلما لم ينتفعوا أتى بالوعيد والتهديد فلما لم ينتفعوا قال : أعْرِضْ عن المعالجة واقطع الفاسد لئلا يفسد الصَّالح{[53604]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.