السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ يُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا} (29)

ولما أن أصروا على الهوى بعد مجيء الهدى سبب عن ذلك قوله تعالى : { فأعرض } أي : يا أشرف الرسل { عمن تولى } أي : كلف نفسه خلاف ما يدعو إليه العقل والفطرة الأولى { عن ذكرنا } أي : القرآن الذي أنزلناه فلم يتله ولم يتدبر معانيه { ولم يرد } أي : في وقت من الأوقات { إلا الحياة الدنيا } أي الحاضرة لتقيده بالمحسوسات كالبهائم مع العمى عن دناءتها وحقارتها . قال الجلال المحلي : وهذا قبل الأمر بالجهاد .

قال الرازي : وأكثر المفسرين يقولون : بأن كل ما في القرآن من قوله تعالى : { فأعرض } منسوخ بآية القتال وهو باطل ، لأنّ الأمر بالإعراض موافق لآية القتال فكيف ينسخ بها وذلك لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأول كان مأموراً بالدعاء بالحكمة والموعظة الحسنة فلما عارضوه بأباطيلهم أمر بإزالة شبههم والجواب عن أباطيلهم . وقيل له : وجادلهم بالتي أحسن ثم لما لم ينفع قال له ربه : أعرض عنهم ولا تقل لهم بالدليل والبرهان فإنهم لا ينتفعون به ولا يتبعون الحق ، وقاتلهم والإعراض عن المناظرة شرط لجواز المقاتلة فكيف يكون منسوخاً بها ؟