وأما مناة فهي فعلة صنم الصفا ، وهي صخرة كانت لهذيل وخزاعة ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الآخر لا يصح أن يقال إلا إذا كان الأول مشاركا للثاني فلا يقال رأيت امرأة ورجلا آخر ، ويقال رأيت رجلا ورجلا آخر لاشتراك الأول والثاني في كونهما من الرجال وهاهنا قوله { الثالثة الأخرى } يقتضي على ما ذكرنا أن تكون العزى ثالثة أولى ومناة ثالثة أخرى وليس كذلك ، والجواب عنه من وجوه : ( الأول ) الأخرى كما هي تستعمل للذم ، قال الله تعالى : { وقالت أولاهم لأخراهم } أي لمتأخرتهم وهم الأتباع ويقال لهم الأذناب لتأخرهم في المراتب فهي صفة ذم كأنه تعالى يقول ومناة الثالثة المتأخرة الذليلة ، ونقول على هذا للأصنام الثلاثة ترتيب ، وذلك لأن الأول كان وثنا على صورة آدمي والعزى صورتها صورة نبات ومناة صورتها صورة صخرة هي جماد ، فالآدمي أشرف من النبات ، والنبات أشرف من الجماد ، فالجماد متأخر والمناة جماد فهي في الأخريات من المراتب ( الجواب الثاني ) فيه محذوف تقديره أفرأيتم اللات والعزى المعبودين بالباطل ومناة الثالثة المعبودة الأخرى ( والجواب الثالث ) هو أن الأصنام كان فيها كثرة واللات والعزى إذا أخذتا متقدمتين فكل صنمة توجد فهي ثالثة ، فهناك ثوالث فكأنه يقول لهما ثوالث كثيرة وهذه ثالثة أخرى ، وهذا كقول القائل يوما ويوما ( والجواب الرابع ) فيه تقديم وتأخير تقديره ومناة الأخرى الثالثة ، ويحتمل أن يقال الأخرى تستعمل لموهوم أو مفهوم وإن لم يكن مشهورا ولا مذكورا يقول من يكثر تأذيه من الناس إذا آذاه إنسان الآخر جاء يؤذينا ، وربما يسكت على قوله أنت الآخر فيفهم غرضه كذلك هاهنا .
المسألة الثانية : وهي في الترتيب أولى ما فائدة الفاء في قوله { أفرأيتم اللات والعزى } وقد استعمل في مواضع بغير الفاء ؟ قال تعالى : { أرأيتم ما تدعون من دون الله } { أرأيتم شركاءكم } ، نقول لما قدم من عظمة آيات الله في ملكوته أن رسول الله إلى الرسل الذي يسد الآفاق ببعض أجنحته ويهلك المدائن بشدته وقوته لا يمكنه أن يتعدى السدرة في مقام جلال الله وعزته ، قال أفرأيتم هذه الأصنام مع زلتها وحقارتها شركاء الله مع ما تقدم ، فقال بالفاء أي عقيب ما سمعتم من عظمة آيات الله تعالى الكبرى ونفاذ أمره في الملأ الأعلى وما تحت الثرى ، فانظروا إلى اللات والعزى تعلموا فساد ما ذهبتم إليه وعولتم عليه .
المسألة الثالثة : أين تتمة الكلام الذي يفيد فائدة ما ؟ نقول قد تقدم بيانه وهو أنه يقول هل رأيتم هذه حق الرؤية ، فإن رأيتموها علمتم أنها لا تصلح شركاء ، نظيره ما ذكرنا فيمن ينكر كون ضعيف يدعي ملكا ، يقول لصاحبه أما تعرف فلانا مقتصرا عليه مشيرا إلى بطلان ما يذهب إليه .
وكانت [ مناة ] بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة . وكانت خزاعة والاوس والخزرج في جاهليتهم يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة .
وكان بالجزيرة كثير من هذه المعبودات تعظمها القبائل المختلفة . ولكن هذه الثلاثة كانت أعظمها .
والمظنون أن هذه المعبودات كانت رموزا لملائكة يعتبرهن العرب إناثا ويقولون : إنهن بنات الله . ومن هنا جاءت عبادتها ، والذي يقع غالبا أن ينسى الأصل ، ثم تصبح هذه الرموز معبودات بذاتها عند جمهرة العباد . ولا تبقى إلا قلة متنورة هي التي تذكر أصل الأسطورة !
قوله جلّ ذكره : { أَفَرَأيْتُمْ الَّلاَتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرَُ وَلَهُ الأُنثَى تِلْكَ إِذاَ قِسْمَةٌ ضِيزَى } .
هذه أصنامٌ كانت العرب تعبدها ؛ فاللات صنمٌ لثقيف ، والعُزَّى شجرةٌ لغطفان ، ومناة صخرة لهذيل وخزاعة .
ومعنى الآية : أَخْبِرونا . . . هل لهذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله من القدرة أن تفعل بعائذٍ بها ما فَعَلْنا نحن لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم من الرُّتب والتخصيص ؟ .
مَناة : وهي أقدم هذه الأصنام ، وكان صنمه منصوباً على ساحل البحر بناحية المشلل بِقَديدٍ ، بين المدينة ومكة . وكانت العرب جميعا تعظّمه وتذبح حوله . وكانت الأوسُ والخزرج تعظّمه أكثرَ من جميع العرب ، وكانوا يحلقون رؤوسهم عند مناة . وبعد فتح مكة أرسل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب كرم الله وجهه فهدَمها وأخذ ما كان لها . وكان من جملة ما وجدَ عندها سيفان ، فوهبَهما الرسولُ إلى علي رضي الله عنه . والعرب تسمى : عبدَ مناة وزيدَ مناة ، وكانت أقدم الأصنام الثلاثة .
قرأ ابن كثير : مناءة بمدّ الألف والهمزة المفتوحة ، والباقون : مناة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.