فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ} (20)

{ ومناة الثالثة الأخرى } ذكر هذه الأصنام الثلاثة التي اشتهرت في العرب وعظم اعتقادهم فيها قال الواحدي وغيره : وكانوا يشتقون لها أسماء من أسماء الله تعالى فقالوا من الله اللات ، ومن العزيز ؛ العزى ، وهي تأنيث الأعز بمعنى العزيز ، ومناة من منى الله الشيء إذا قدره ، قرئ اللات بتخفيف التاء وهي مأخوذة من اسم الله ، وقيل : أصله لات يليت فالتاء أصلية ، وقيل : هي زائدة ، وأصله لوى يلوي ، لأنهم كانوا يلوون أعناقهم إليها ، وقيل : هي زائدة ، وأصله لوى يلوي ، لأنهم كانوا يلوون أعناقهم إليها ، أو يلتوون ويعتكفون عليها ، ويطوفون بها ، وقرئ اللات بتشديد التاء ، فقيل : هو اسم رجل كان يلت السويق ويطعمه الحاج ، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه ، فهو اسم فاعل في الأصل غلب على هذا الرجل .

وقال مجاهد : كان رجلا في رأس جبل له غنيمة يتخذ من لبنها وسمنها حيسا ، ويطعم الحاج ، وكان ببطن نخلة فلما مات عبدوه . وقال الكلبي : كان رجلا من ثقيف له صرمة غنم ، وقيل : إنه عامر بن الظرب العدواني ، قال في الصحاح : واللات اسم صنم لثقيف ، وكان بالطائف ، وقيل : بعكاظ ، وقيل : بنخلة ، ورجح ابن عطية الأول ، وبعض العرب يقف عليها بالتاء وبعضهم بالهاء ، " قال ابن عباس : كان اللات رجلا يلت السويق للحاج أخرجه البخاري وغيره ، والألف واللام في اللات زائدة لازمة ، وقال أبو البقاء : ليست بزائدة وهو غلط ، والعزى من العز وهي تأنيث الأعز ، وهي اسم صنم لقريش وبني كنانة ، قال مجاهد : هي شجرة كانت لغطفان وكانوا يعبدونها ، فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم خالد ابن الوليد فقطعها .

وقيل : كانت شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة ، وقال سعيد بن جبير : العزى حجر أبيض كانوا يعبدونه ، وقال قتادة : هي بيت كان ببطن نخلة ، وعن ابن عباس : أن العزى ببطن نخلة ، وأن اللات كانت بالطائف وأن مناة كانت بقديد ، ومناة صنم بني هلال ، وقال ابن هشام : صنم هذيل وخزاعة وقال قتادة : كانت للأنصار وقرئ مناة بألف من دون همزة ، وبالمد والهمزة فالأولى اشتقاقها من منى يمني أي صب لأن دماء النسائك كانت تصب عندها ، يتقربون بذلك إليها وعلى الثانية فاشتقاقها من النوء وهو المطر ، لأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء ، وقيل : هما لغتان للعرب ووقف عليها بالتاء اتباعا لرسم المصحف وبالهاء .

قال في الصحاح : ومناة اسم صنم كان بين مكة والمدينة ، والهاء للتأنيث ، ويسكت عليها بالتاء ، وهي لغة ، والثالثة الأخرى وصف لمناة وصفها بأنها ثالثة ، وبأنها أخرى ، والثالثة لا تكون إلا أخرى ، قال أبو البقاء : فالوصف بالأخرى للتأكيد ، وقد استشكل وصف الثالثة بالأخرى ، والعرب إنما تصف به الثانية فقال الخليل : إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي ، كقوله : { مآرب أخرى } وقال حسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة ، وقيل : إن وصفها بالأخرى لقصد التعظيم ، لأنها كانت عند المشركين عظيمة ، وقيل : إن ذلك للتحقير والذم ، وإن المراد : المتأخرة الوضيعة المقدار ، كما في قوله : { وقالت أخراهم لأولاهم } ، أي وضعاءهم لرؤسائهم ، وهذا للزمخشري ، وقال ابن عادل : وفيه نظر لأن الأخرى إنما تدل على الغيرية ، وليس فيها تعرض لمدح ولا ذم ، فإن جاء شيء من ذلك فلقرينة خارجية ، ثم كرر سبحانه توبيخهم وتقريعهم بمقالة شنعاء قالوها فقال :

{ ألكم الذكر وله الأنثى ؟ } أي كيف تجعلون لله ما تكرهون من الإناث وتجعلون لأنفسكم ما تحبون من الذكور ، قيل وذلك قولهم : إن الملائكة بنات الله ، وقيل المراد كيف تجعلون اللات والعزى ومناة وهي إناث في زعمكم شركاء لله ومن شأنهم أن يحتقروا الإناث ، ثم ذكر سبحانه أن هذه التسمية والقسمة المفهومة من الاستفهام ، قسمة جائرة ، فقال :

{ تلك إذا قسمة ضيزى } قرئ بياء ساكنة بغير همزة ، وبهمزة ساكنة والمعنى أنها قسمة خارجة عن الصواب ، جائرة عن العدل ، مائلة عن الحق ، قال الأخفش : يقال : ضاز في الحكم أي جار وضازه حقه يضيزه ضيزا أي نقصه وبخسه ، قال ؛ وقد يهمز ، وقال الكسائي : ضاز يضيز ضيزي ، وضاز يضوز ضوزا إذا تعدى وظلم ولخس وانتقص . قال الفراء : وبعض العرب يقول ضئزا بالهمز ، وعن أبي زيد أنه سمع العرب تهمز ضيزى ، قال البغوي : ليس في كلام العرب فعلى بكسر الفاء في النعوت ، إنما تكون في الأسماء مثل ذكرى وشعرى ، قال المؤرج : كرهوا ضم الضاد في ضيزى ، وخافوا انقلاب الياء واوا ، وهي من بنات الواو ، فكسروا الضاد لهذه العلة ، كما قالوا في جمع الأبيض بيض ، وكذا قال الزجاج : وقيل : هي مصدر كذكرى فيكون المعنى قسمة ذات جور وظلم ، قال ابن عباس : ضيزى جائرة لا حق فيها وقيل : عوجاء غير معتدلة