مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِۦۗ قُلۡ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمۡ إِلَى ٱلنَّارِ} (30)

{ وجعلوا الله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار }

النوع الثالث : من أعمالهم القبيحة قوله : { وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم بدلوا نعمة الله كفرا ذكر أنهم بعد أن كفروا بالله جعلوا له أندادا ، والمراد من هذا الجعل الحكم والاعتقاد والقول ، والمراد من الأنداد الأشباه والشركاء ، وهذا الشريك يحتمل وجوها : أحدها : أنهم جعلوا للأصنام حظا فيما أنعم الله به عليهم نحو قولهم هذا لله وهذا لشركائنا . وثانيها : أنهم شركوا بين الأصنام وبين خالق العالم في العبودية . وثالثها : أنهم كانوا يصرحون بإثبات الشركاء لله وهو قولهم في الحج : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك .

المسألة الثانية : قرأ ابن كثير وأبو عمرو { ليضلوا } بفتح الياء من ضل يضل . والباقون بضم الياء من أضل غيره يضل .

المسألة الثالثة : اللام في قوله : { ليضلوا عن سبيله } لام العاقبة لأن عبادة الأوثان سبب يؤدي إلى الضلال ويحتمل أن تكون لام كي ، أي الذين اتخذوا الوثن كي يضلوا غيرهم هذا إذا قرئ بالضم فإنه يحتمل الوجهين ، وإذا قرئ بالنصب فلا يحتمل إلا لام العاقبة لأنهم لم يريدوا ضلال أنفسهم . وتحقيق القول في لام العاقبة أن المقصود من الشيء لا يحصل إلا في آخر المراتب كما قيل أول الفكر آخر العمل . وكل ما حصل في العاقبة كان شبيها بالأمر المقصود في هذا المعنى ، والمشابهة أحد الأمور المصححة لحسن المجاز ، فلهذا السبب حسن ذكر اللام في العاقبة ، ولما حكى الله تعالى عنهم هذه الأنواع الثلاثة من الأعمال القبيحة قال : { قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار } والمراد أن حال الكافر في الدنيا كيف كانت ، فإنها بالنسبة إلى ما سيصل إليه من العقاب في الآخرة تمتع ونعيم ، فلهذا المعنى قال : { قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار } وأيضا إن هذا الخطاب مع الذين حكى الله عنهم أنهم بدلوا نعمة الله كفرا ، فأولئك كانوا في الدنيا في نعم كثيرة فلا جرم حسن قوله تعالى : { قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار } وهذا الأمر يسمى أمر التهديد ونظيره قوله تعالى : { اعملوا ما شئتم } وكقوله : { قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار } .