مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{مَا نُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَمَا كَانُوٓاْ إِذٗا مُّنظَرِينَ} (8)

ثم إنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة بقوله : { ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين } فنقول : إن كان المراد من قولهم : { لو ما تأتينا بالملائكة } هو الوجه الأول ، كان تقرير هذا الجواب أن إنزال الملائكة لا يكون إلا بالحق وعند حصول الفائدة ، وقد علم الله تعالى من حال هؤلاء الكفار أنه لو أنزل عليهم الملائكة لبقوا مصرين على كفرهم ، وعلى هذا التقرير : فيصير إنزالهم عبثا باطلا ، ولا يكون حقا ، فلهذا السبب ما أنزلهم الله تعالى ، وقال المفسرون : المراد بالحق ههنا الموت ، والمعنى : أنهم لا ينزلون إلا بالموت ، وإلا بعذاب الاستئصال ، ولم يبق بعد نزولهم إنظار ولا إمهال ، ونحن لا نريد عذاب الاستئصال بهذه الأمة ، فلهذا السبب ما أنزلنا الملائكة ، وأما إن كان المراد من قوله تعالى : { لو ما تأتينا بالملائكة } استعجالهم في نزول العذاب الذي كان الرسول عليه السلام يتوعدهم به ، فتقرير الجواب أن الملائكة لا تنزل إلا بعذاب الاستئصال ، وحكمنا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن لا نفعل بهم ذلك ، وأن نمهلهم لما علمنا من إيمان بعضهم ، ومن إيمان أولاد الباقين . المسألة الثانية : قال الفراء والزجاج : لولا ولو ما لغتان : معناهما : هلا ، ويستعملان في الخبر والاستفهام ، فالخبر مثل قولك لولا أنت لفعلت كذا ، ومنه قوله تعالى : { لولا أنتم لكنا مؤمنين } والاستفهام كقولهم : { لولا أنزل عليه ملك } وكهذه الآية . وقال الفراء : لو ما الميم فيه بدل عن اللام في لولا ، ومثله استولى على الشيء واستومى عليه ، وحكى الأصمعي : خاللته وخالمته إذا صادقته ، وهو خلى وخلمي أي صديقي .

المسألة الثالثة : قوله : { ما ننزل الملائكة إلا بالحق } قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم : { ما ننزل } بالنون وبكسر الزاي والتشديد ، والملائكة بالنصب لوقوع الإنزال عليها . والمنزل هو الله تعالى ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : { ما تنزل } عن فعل ما لم يسمى فاعله ، والملائكة بالرفع . والباقون : ما تنزل الملائكة على إسناد فعل النزول إلى الملائكة والله أعلم .

المسألة الرابعة : قوله : { وما كانوا إذا منظرين } يعني : لو نزلت الملائكة لم ينظروا أي يمهلوا فإن التكليف يزول عند نزول الملائكة . قال صاحب «النظم » : لفظ إذن مركبة من كلمتين : من إذا وهو اسم بمنزلة حين . ألا ترى أنك تقول : أتيتك إذ جئتني ، أي حين جئتني . ثم ضم إليها أن ، فصار إذ أن . ثم استثقلوا الهمزة ، فحذفوها فصار إذن ، ومجيء لفظة إذن دليل على إضمار فعل بعدها والتقدير : وما كانوا منظرين إذ كان ما طلبوا ، وهذا تأويل حسن .