مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

والصفة الثانية : قوله : { مهطعين } وفي تفسير الإهطاع أقوال أربعة :

القول الأول : قال أبو عبيدة هو الإسراع . يقال : أهطع البعير في سيره واستهطع إذا أسرع ، وعلى هذا الوجه ، فالمعنى : أن الغالب من حال من يبقى بصره شاخصا من شدة الخوف أن يبقى واقفا ، فبين الله تعالى أن حالهم بخلاف هذا المعتاد ، فإنهم مع شخوص أبصارهم يكونون مهطعين ، أي مسرعين نحو ذلك البلاء .

القول الثاني : في الإهطاع قال أحمد بن يحيى : المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع .

والقول الثالث : المهطع الساكت .

والقول الرابع : قال الليث : يقال للرجل إذا قر وذل : أهطع .

الصفة الثالثة : قوله : { مقنعي رؤوسهم } والإقناع رفع الرأس والنظر في ذل وخشوع ، فقوله : { مقنعي رؤوسهم } أي رافعي رؤوسهم والمعنى أن المعتاد فيمن يشاهد البلاء أنه يطرق رأسه عنه لكي لا يراه ، فبين تعالى أن حالهم بخلاف هذا المعتاد وأنهم يرفعون رؤوسهم .

الصفة الرابعة : قوله : { لا يرتد إليهم طرفهم } والمراد من هذه الصفة دوام ذلك الشخوص ، فقوله : { تشخص فيه الأبصار } لا يفيد كون هذا الشخوص دائما وقوله : { لا يرتد إليهم طرفهم } يفيد دوام هذا الشخوص ، وذلك يدل على دوام تلك الحيرة والدهشة في قلوبهم .

الصفة الخامسة : قوله : { وأفئدتهم هواء } الهواء الخلاء الذي لم تشغله الأجرام ثم جعل وصفا فقيل : قلب فلان هواء إذا كان خاليا لا قوة فيه ، والمراد بيان أن قلوب الكفار خالية يوم القيامة عن جميع الخواطر والأفكار لعظم ما ينالهم من الحيرة ، ومن كل رجاء وأمل لما تحققوه من العقاب ومن كل سرور ، لكثرة ما فيه من الحزن ، إذا عرفت هذه الصفات الخمسة فقد اختلفوا في وقت حصولها فقيل : إنها عند المحاسبة بدليل أنه تعالى إنما ذكر هذه الصفات عقيب وصف ذلك اليوم بأنه يوم يقوم الحساب ، وقيل : إنها تحصل عندما يتميز فريق عن فريق ، والسعداء يذهبون إلى الجنة ، والأشقياء إلى النار . وقيل : بل يحصل عند إجابة الداعي والقيام من القبور ، والأول أولى للدليل الذي ذكرناه ، والله أعلم .