مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (153)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين } .

اعلم أنه تعالى لما أوجب بقوله : { فاذكروني } جميع العبادات ، وبقوله : { واشكروا لي } ما يتصل بالشكر أردفه ببيان ما يعين عليهما فقال : { استعينوا بالصبر والصلاة } وإنما خصهما بذلك لما فيهما من المعونة على العبادات ، أما الصبر فهو قهر النفس على احتمال المكاره في ذات الله تعالى وتوطينها على تحمل المشاق وتجنب الجزع ، ومن حمل نفسه وقلبه على هذا التذليل سهل عليه فعل الطاعات وتحمل مشاق العبادات ، وتجنب المحظورات ومن الناس من حمل الصبر على الصوم ، ومنهم من حمله على الجهاد لأنه تعالى ذكر بعده : { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله } وأيضا فلأنه تعالى أمر بالتثبت في الجهاد فقال : { إذا لقيتم فئة فاثبتوا } وبالتثبت في الصلاة أي في الدعاء فقال : { وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } إلا أن القول الذي اخترناه أولى لعموم اللفظ وعدم تقييده ، والاستعانة بالصلاة لأنها يجب أن تفعل على طريق الخضوع والتذلل للمعبود والإخلاص له ، ويجب أن يوفر همه وقلبه عليها وعلى ما يأتي فيها من قراءة فيتدبر الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ومن سلك هذه الطريقة في الصلاة فقد ذلل نفسه لاحتمال المشقة فيما عداها من العبادات ولذلك قال : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ولذلك نرى أهل الخير عند النوائب متفقين على الفزع إلى الصلاة ، وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .

ثم قال : { إن الله مع الصابرين } يعني في النصر لهم كما قال : { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } فكأنه تعالى ضمن لهم إذا هم استعانوا على طاعاته بالصبر والصلاة أن يزيدهم توفيقا وتسديدا وألطافا كما قال : { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } .