فإن قيل فكيف يصح في جوابهم أن يقولوا : { لبثنا يوما أو بعض يوم } ولا يقع من أهل النار الكذب قلنا لعلهم نسوا ذلك لكثرة ما هم فيه من الأهوال وقد اعترفوا بهذا النسيان حيث قالوا : { فاسأل العادين } قال ابن عباس رضي الله عنهما أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين وقيل مرادهم بقولهم : { لبثنا يوما أو بعض يوم } تصغير لبثهم وتحقيره بالإضافة إلى ما وقعوا فيه وعرفوه من أليم العذاب والله أعلم .
المسألة الثالثة : اختلفوا في أن السؤال عن أي لبث وقع ، فقال بعضهم لبثهم إحياؤهم في الدنيا ويكون المراد أنهم أمهلوا حتى تمكنوا من العلم والعمل فأجابوا بأن قدر لبثهم كان يسيرا بناء على أن الله تعالى أعلمهم أن الدنيا متاع قليل وأن الآخرة هي دار القرار ، وهذا القائل احتج على قوله بأنهم كانوا يزعمون أن لا حياة سواها ، فلما أحياهم الله تعالى في النار وعذبوا سألوا عن ذلك توبيخا لأنه إلى التوبيخ أقرب ، وقال آخرون بل المراد اللبث في حال الموت ، واحتجوا على قولهم بأمرين : الأول : أن قوله في الأرض يفيد الكون في القبر ومن كان حيا فالأقرب أن يقال إنه على الأرض وهذا ضعيف لقوله : { ولا تفسدوا في الأرض } ، الثاني : قوله تعالى : { ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة } ثم بين سبحانه أنهم كذبوا في ذلك وأخبر عن المؤمنين قولهم : { لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث } .
المسألة الرابعة : احتج من أنكر عذاب القبر بهذه الآية فقال قوله : { كم لبثتم في الأرض } يتناول زمان كونهم أحياء فوق الأرض وزمان كونهم أمواتا في بطن الأرض فلو كانوا معذبين في القبر لعلموا أن مدة مكثهم في الأرض طويلة فما كانوا يقولون : { لبثنا يوما أو بعض يوم } والجواب : من وجهين : أحدهما : أن الجواب لابد وأن يكون بحسب السؤال ، وإنما سألوا عن موت لا حياة بعده إلا في الآخرة ، وذلك لا يكون إلا بعد عذاب القبر . والثاني : يحتمل أن يكونوا سألوا عن قدر اللبث الذي اجتمعوا فيه ، فلا يدخل في ذلك تقدم موت بعضهم على البعض ، فيصح أن يكون جوابهم { لبثنا يوما أو بعض يوم } عند أنفسنا .
أما قوله : { فاسأل العادين } ففيه وجوه . أحدها : المراد بهم الحفظة وأنهم كانوا يحصون الأعمال وأوقات الحياة ويحسبون أوقات موتهم وتقدم من تقدم وتأخر من تأخر ، وهو معنى قول عكرمة فاسأل العادين أي الذين يحسبون . وثانيها : فاسأل الملائكة الذين يعدون أيام الدنيا وساعاتها . وثالثها : أن يكون المعنى سل من يعرف عدد ذلك فإنا قد نسيناه . ورابعها : قرئ العادين بالتخفيف أي الظلمة فإنهم يقولون مثل ما قلنا . وخامسها : قرئ العاديين أي القدماء المعمرين ، فإنهم يستقصرونها فكيف بمن دونهم ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.