اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖ فَسۡـَٔلِ ٱلۡعَآدِّينَ} (113)

فإنْ قيل : فكيف{[33511]} يصح أن يقولوا في جوابهم : { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } . ولا يقع الكذب من أهل النار ؟ فالجواب : لعلّهم نسوا لكثرة ما هم فيه من الأهوال ، وقد اعترفوا بهذا النسيان وقالوا : «فَاسْأَلِ العَادِّينَ » . قال ابن عباس : أنساهم ما كانُوا فيه من العذاب بين النفختين .

وقيل : مرادهم بقولهم : { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } تصغير لبثهم وتحقيره بالإضافة إلى ما وقعوا فيه من العذاب{[33512]} . وقيل : أرادوا أن لبثهم في الدنيا يوماً أو بعض يوم من أيام الآخرة ، لأن يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة .

فصل

اختلفوا في أنّ{[33513]} السؤال عن أيّ لبث ؟ فقيل عن لبثهم أحياء في الدنيا ، فأجابوا بأَنّ قدر لبثهم كان يسيراً بناء على أنّ الله أعلمهم أنَّ الدنيا متاع قليل وأن الآخرة هي دار القرار .

وقيل : المراد اللبث في حال الموت ، لأنَّ قوله : «فِي الأَرْضِ » يفيد الكَوْن في الأَرض أي : في القبر ، والحيّ إِنّما يقال فيه أنّه على الأرض . وهذا ضعيف لقوله : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض }{[33514]} [ الأعراف : 56 ] ، واستدلوا أيضاً بقوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ }{[33515]} {[33516]} [ الروم : 55 ] ثم قالوا : «فَاسْأَلِ العَادِّينَ » أي : الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويُحْصُونها عليهم ، وهذا قول عكرمة . وقيل الملائكة الذين يعدّون أيام الدنيا . وقيل : المعنى سَلْ من يعرف عدد ذلك فإنّا نسيناه{[33517]} . وقُرئ «العَادِينَ » بالتخفيف ، وهي قراءة الحسن والكسائي في رواية{[33518]} جمع ( عَادِي ) اسم فاعل من ( عَدَا ) أي : الظلمة فإنّهم يقولون مثل ما قلنا {[33519]} .

وقيل : العَادين : القدماء المعمرين ، فإنّهم سيقصرونها . قال{[33520]} أبو البقاء : كقولك : هذا بئر عَاديَة{[33521]} ، أي ؛ سل من تقدّمنا ، وحذف إحدى ياءي النسب كما قَالُوا : الأشعرون ، وحُذفت الأخرى لالتقاء الساكنين{[33522]} . قال شهاب الدين : المحذوف أَوّلاً الياء الثانية ؛ لأنّها المتحركة وبحذفها يلتقي ساكنان{[33523]} . ويؤيد ما ذكره أبو البقاء ما نقله الزمخشري قال : وقُرئ ( العَادِيين{[33524]} أي : القدماء المعمرين ، فإنهم يستقصرُونَها ، فكيف بِمَن دُونهم{[33525]} ؟ قال ابن خالويه : ولغة أخرى العَادِيّين{[33526]} يعني : بياء مشددة جمع عَادِيّة بمعنى القدماء{[33527]} {[33528]} .

فصل

احتجّ من أنكر عذاب القبر بهذه الآية فقال : قوله : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض } يتناول زمان كونهم أحياء فوق الأرض ، وزمان كونهم أمواتاً في بطن الأرض ، فلو كانُوا معذبين في القبر لعلموا أنَّ مدة مكثهم في الأرض طويلة ، فلم يقولوا : { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } .

والجواب من وجهين :

الأول : أنّ الجواب لا بُدّ وأن يكون بحسب السؤال ، وإنّما سألوا عن موتٍ لا حياةَ{[33511]} بعده إلاّ في الآخرة ، وذلك لا يكون إلاّ بعد عذاب القبر .

والثاني : يحتمل أن يكونُوا سألوا عن قدر اللبث الذي اجتمعوا فيه ، فلا مدخل في{[33530]} تقدّم{[33531]} موت بعضهم على بعض فيصح أن يكون جوابهم { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } عند أنفسنا{[33532]} .


[33511]:في ب: إلا حياة.
[33512]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/127.
[33513]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/127 – 127.
[33514]:[الأعراف: 56-85].
[33515]:[الروم: 55].
[33516]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/127 – 128.
[33517]:انظر الفخر الرازي 23/128.
[33518]:المختصر (99)، البحر الطويل 6/424.
[33519]:انظر الكشاف 3/58، البحر الطويل 6/424.
[33520]:في ب: قاله.
[33521]:شجرة عادية أي قديمة، كأنها نسبت إلى عاد، وهم قوم هود النبي – صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم – وكل قديم ينسبونه إلى عاد وإن لم يدركهم. اللسان (عدا).
[33522]:التبيان 2/962، البيان 2/190.
[33523]:الدر المصون: 5/95.
[33524]:في ب: العادين.
[33525]:الكشاف 3/58.
[33526]:المختصر (99).
[33527]:البحر المحيط 6/424.
[33528]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[33530]:في: سقط من ب.
[33531]:في ب: تقدم.
[33532]:انظر الفخر الرازي 23/128.