غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖ فَسۡـَٔلِ ٱلۡعَآدِّينَ} (113)

91

91

ومن قرأ { قال } فالضمير لله أو لمن أمر بسؤالهم من الملائكة ، ومن قرأ { قل } فالخطاب للملك أو لبعض رؤساء أهل النار . والغرض من هذا السؤال التوبيخ والتبكيت فقد كانوا لا يعدّون اللبث إلا في الدنيا ويظنون أن الفناء يدوم بعد الموت ولا إعادة ، فلما حصلوا في النار وأيقنوا أنهم فيها خالدون سئلوا { كم لبثتم } تنبيهاً لهم على أن ما ظنوه دائماً طويلاً فهو يسير بالإضافة إلى ما أنكروه إذ لا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي ولاسيما إذا كان الأول أيام سرور والثاني أيام غم وحزن . واختلفوا في الأرض فقيل : وجه الأرض حين ما كانوا أحياء فإنهم زعموا أن لا حياة سواها ، فلما أحياهم الله تعالى وعذبوا في النار سئلوا عن ذلك توبيخاً .

وقال آخرون : المراد جوف الأرض وهو القبر لظاهر لفظة " في " ولقوله { ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة } [ الروم : 55 ] وقوله { عدد سنين } بدل من مميزكم . وقيل : احتج بعض من أنكر عذاب القبر بأن قوله { في الأرض } يتناول زمان كونهم أحياء فوق الأرض وزمان كونهم أمواتاً في بطن الأرض، فلو كانوا معذبين في القبر لعلموا أن مدة مكثهم في الأرض طويلة فما كانوا يقولون : { لبثنا يوماً أو بعض يوم } وأجيب بأن الجواب لا بد أن يكون على حسب السؤال وإنما سئلوا عن موت لا حياة بعده إلا في الآخرة وذلك لا يكون إلا بعد عذاب القبر . ويحتمل أن يكونوا سئلوا عن قدر اللبث الذي اجتمعوا فيه فلا يدخل في ذلك تقدم موت بعضهم على البعض ، فصح أن يكون جوابهم { لبثنا يوماً أو بعض يوم } عند أنفسنا . وليس هذا من قبيل الكذب إذ لعلهم نسوا ذلك لكثرة ما هم فيه من الأهوال فقالوا : إلا نعرف من عدد السنين إلا أنا نستقله ونحسبه يوماً أو بعض يوم . وقد اعترفوا بهذا النسيان حيث قالوا { فاسأل العادّين } أي ليس من شأننا أن نعدّها لما نحن فيه من العذاب فاسأل من يقدر أن يلقى إليه فكره ، أو اسأل الملائكة الذي يعدّون أعمار العباد ويحصون أعمالهم . وعن ابن عباس : أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين . وقيل : أرادوا بقولهم { لبثنا يوماً أبو بعض يوم } تصغير لبثهم وتحقيره بالإضافة غلى ما وقعوا فيه وعرفوه من داوم العذاب . .

/خ118

/خ118