مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا يُنصَرُونَ} (41)

أما قوله : { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } فقد تمسك به الأصحاب في كونه تعالى خالقا للخير والشر ، قال الجبائي المراد بقوله : { وجعلناهم } أي بينا ذلك من حالهم وسميناهم به ، ومنه قوله : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا } وتقول أهل اللغة في تفسير فسقه وبخله جعله فاسقا وبخيلا ، لا أنه خلقهم أئمة لأنهم حال خلقهم لهم كانوا أطفالا ، وقال الكعبي : إنما قال : { وجعلناهم أئمة } من حيث خلى بينهم وبين ما فعلوه ولم يعاجل بالعقوبة ، ومن حيث كفروا ولم يمنعهم بالقسر ، وذلك كقوله : { فزادتهم رجسا } لما زادوا عندها ونظير ذلك أن الرجل يسأل ما يثقل عليه ، وإن أمكنه فإذا بخل به قيل للسائل جعلت فلانا بخيلا أي قد بخلته ، وقال أبو مسلم معنى الإمامة التقدم فلما عجل الله تعالى لهم العذاب صاروا متقدمين لمن وراءهم من الكافرين . واعلم أن الكلام فيه قد تقدم في سورة مريم في قوله : { أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين } ومعنى دعوتهم إلى النار دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي فإن أحدا لا يدعو إلى النار البتة ، وإنما جعلهم الله تعالى أئمة في هذا الباب لأنهم بلغوا في هذا الباب أقصى النهايات ، ومن كان كذلك استحق أن يكون إماما يقتدى به في ذلك الباب ، ثم بين تعالى أن ذلك العقاب سينزل بهم على وجه لا يمكن التخلص منه وهو معنى قوله : { ويوم القيامة لا ينصرون } أو يكون معناه ( ويوم القيامة لا ينصرون ) كما ينصر الأئمة الدعاة إلى الجنة .