مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (34)

الحكم الثاني : للمصدقين قوله تعالى : { لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين } ، وهذا الوعد يدخل فيه كل ما يرغب المكلف فيه ، فإن قيل لا شك أن الكمال محبوب لذاته مرغوب فيه لذاته ، وأهل الجنة لا شك أنهم عقلاء فإذا شاهدوا الدرجات العالية التي هي للأنبياء وأكابر الأولياء عرفوا أنها خيرات عالية ودرجات كاملة ، والعلم بالشيء من حيث إنه كمال ، وخير يوجب الميل إليه والرغبة فيه ، وإذا كان كذلك فهم يشاءون حصول تلك الدرجات لأنفسهم فوجب حصولها لهم بحكم هذه الآية ، وأيضا فإن لم يحصل لهم ذلك المراد كانوا في الغصة ووحشة القلب ، وأجيب عنه بأن الله تعالى يزيل الحقد والحسد عن قلوب أهل الآخرة ، وذلك يقتضي أن أحوالهم في الآخرة بخلاف أحوالهم في الدنيا ، ومن الناس من تمسك بهذه الآية في أن المؤمنين يرون الله تعالى يوم القيامة ، قالوا إن الذين يعتقدون أنهم يرون الله تعالى لا شك أنهم داخلون تحت قوله تعالى : { وصدق به } لأنهم صدقوا الأنبياء عليهم السلام ، ثم إن ذلك الشخص يريد رؤية الله تعالى فوجب أن يحصل له ذلك لقوله تعالى : { لهم ما يشاءون عند ربهم } فإن قالوا لا نسلم أن أهل الجنة يشاءون ذلك ، قلنا هذا باطل لأن الرؤية أعظم وجوه التجلي وزوال الحجاب ، ولا شك أنها حالة مطلوبة لكل أحد نظرا إلى هذا الاعتبار ، بل لو ثبت بالدليل كون هذا المطلوب ممتنع الوجود لعينه فإنه يترك طلبه ، لا لأجل عدم المقتضى للطلب ، بل لقيام المانع وهو كونه ممتنعا في نفسه ، فثبت أن هذه الشبهة قائمة والنص يقتضي حصول كل ما أرادوه وشاءوه فوجب حصولها .

واعلم أن قوله : { عند ربهم } لا يفيد العندية بمعنى الجهة والمكان بل بمعنى الصمدية والإخلاص كما في قوله تعالى : { عند مليك مقتدر } واعلم أن المعتزلة تمسكوا بقوله : { وذلك جزاء المحسنين } على أن هذا الأجر مستحق لهم على إحسانهم في العبادة .