مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ} (41)

قوله تعالى : { إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل ، الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ، أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ، قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون }

في الآية مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظم عليه إصرارهم على الكفر كما قال : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا } وقال : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } وقال تعالى : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } فلما أطنب الله تعالى في هذه الآية في فساد مذاهب المشركين تارة بالدلائل والبينات وتارة بضرب الأمثال وتارة بذكر الوعد والوعيد أردفه بكلام يزيل ذلك الخوف العظيم عن قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : { إنا أنزلنا عليك الكتاب } الكامل الشريف لنفع الناس ولاهتدائهم به وجعلنا إنزاله مقرونا بالحق وهو المعجز الذي يدل على أنه من عند الله فمن اهتدى فنفعه يعود إليه ، ومن ضل فضير ضلاله يعود إليه { وما أنت عليهم بوكيل } والمعنى أنك لست مأمورا بأن تحملهم على الإيمان على سبيل القهر بل القبول وعدمه مفوض إليهم ، وذلك لتسلية الرسول في إصرارهم على الكفر ، ثم بين تعالى أن الهداية والضلال لا يحصلان إلا من الله تعالى ، وذلك لأن الهداية تشبه الحياة واليقظة والضلال يشبه الموت والنوم ، وكما أن الحياة واليقظة وكذلك الموت والنوم لا يحصلان إلا بتخليق الله عز وجل وإيجاده فكذلك الهداية والضلال لا يحصلان إلا من الله تعالى ، ومن عرف هذه الدقيقة فقد عرف سر الله تعالى في القدر ، ومن عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب ، فيصير التنبيه على هذه الدقيقة سببا لزوال ذلك الحزن عن قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا وجه النظم في الآية ، وقيل نظم الآية أنه تعالى ذكر حجة أخرى في إثبات أنه الإله العالم ليدل على أنه بالعبادة أحق من هذه الأصنام .