الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (19)

قوله : { كُلُواْ } : على إضمارِ القولِ كقوله : " هذه النار " وشَتَّان ما بين القَوْلين .

قوله : { هَنِيئَاً } قد تقدَّم القولُ فيه وفي " مريئاً " مُشْبَعاً في النساء . وقال الزمخشري هنا : " يُقال لهم : كُلوا واشربوا أَكْلاً وشُرْباً هنيئاً ، أو طعاماً وشَراباً هَنيئاً ، وهو الذي لا تَنْغيصَ فيه . ويجوز أَنْ يكونَ مثلُه في قوله :

هَنِيئاً مَرِيئاً غيرَ داءٍ مُخامِرٍ *** لِعَزَّةَ من أعراضِنا ما اسْتَحلَّتِ

أعني صفةً اسْتُعْمِلَتْ استعمالَ المصدرِ القائم مقامَ الفعلِ مرتفعاً به " ما استحلَّت " كما يرتفع بالفعلِ كأنه قيل : هَنَأ عَزَّةَ المُسْتَحَلُّ من أعراضنا ، وكذلك معنى " هنيئاً " هنا : هَنَأَكم الأكلُ والشربُ ، أو هَنَأَكم ما كنتم تعملون ، أي : جزاءُ ما كنتم تعملون ، والباء مزيدةٌ كما في { وَكَفَى بِاللَّهِ } [ النساء : 45 ] والباءُ متعلقةٌ ب " كلوا واشربوا " إذا جَعَلْتَ الفاعلَ الأكلَ والشربَ " . قلت : وهذا مِنْ محاسنِ كلامِه .

قال الشيخ : " أمَّا تجويزُه زيادةَ الباءِ فليسَتْ بمقيسةٍ في الفاعل إلاَّ في فاعلِ كفى على خلافٍ فيها ، فتجويزُها هنا لا يَسُوغُ . وأمَّا قولُه : إنها تتعلَّقُ ب " كُلوا واشربوا " فلا يَصِحُّ إلاَّ على الإِعمال فهي تتعلَّقُ بأحدهما " . انتى وهذا قريبٌ .