مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (124)

{ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين } وقطع اليد والرجل من خلاف معروف المعنى ، وهو أن يقطعهما من جهتين مختلفتين ، أما من اليد اليمنى والرجل اليسرى ، أو من اليد اليسرى والرجل اليمنى ، وأما الصلب فمعروف فتوعدهم بهذين الأمرين العظيمين ، واختلفوا في أنه هل وقع ذلك منه ؟ وليس في الآية ما يدل على أحد الأمرين . واحتج بعضهم على وقوعه بوجوه : الأول : أنه تعالى حكى عن الملأ من قوم فرعون أنهم قالوا له : { أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض } ولو أنه ترك أولئك السحرة وقومه أحياء وما قتلهم ، لذكرهم أيضا ولحذرهم عن الإفساد الحاصل من جهتهم . ويمكن أن يجاب عنه بأنهم دخلوا تحت قومه فلا وجه لإفرادهم بالذكر . والثاني : أن قوله تعالى حكاية عنهم { ربنا أفرغ علينا صبرا } يدل على أنه كان قد نزل بهم بلاء شديد عظيم ، حتى طلبوا من الله تعالى أن يصبرهم عليه . ويمكن أن يجاب عنه بأنهم طلبوا من الله تعالى الصبر على الإيمان وعدم الالتفات إلى وعيده . الثالث : ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنه أنه فعل ذلك وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وهذا هو الأظهر مبالغة منه في تحذير القوم عن قبول دين موسى عليه السلام . وقال آخرون : إنه لم يقع من فرعون ذلك ، بل استجاب الله تعالى لهم الدعاء في قولهم : { وتوفنا مسلمين } لأنهم سألوه تعالى أن يكون توفيهم من جهته لا بهذا القتل والقطع وهذا الاستدلال قريب .