ثم قال : { حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق } والمعنى أن الرسول لا يقول إلا الحق ، فصار نظم الكلام . كأنه قال : أنا رسول الله ، ورسول الله لا يقول إلا الحق ، ينتج أني لا أقول إلا الحق ، ولما كانت المقدمة الأولى خفية ، وكانت المقدمة الثانية جلية ظاهرة ، ذكر ما يدل على صحة المقدمة الأولى ، وهو قوله : { قد جئتكم ببينة من ربكم } وهي المعجزة الظاهرة القاهرة . ولما قرر رسالة نفسه فرع عليه تبليغ الحكم ، وهو قوله : { فأرسل معي بني إسرائيل } ولما سمع فرعون هذا الكلام قال : { إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من } واعلم أن دليل موسى عليه السلام كان مبنيا على مقدمات : إحداها : أن لهذا العالم إلها قادرا عالما حكيما . والثانية : أنه أرسله إليهم بدليل أنه أظهر المعجز على وفق دعواه ، ومتى كان الأمر كذلك ، وجب أن يكون رسولا حقا . والثالثة : أنه متى كان الأمر كذلك كان كل ما يبلغه من الله إليهم ، فهو حق وصدق . ثم إن فرعون ما نازعه في شيء من هذه المقدمات إلا في طلب المعجزة ، وهذا يوهم أنه كان مساعدا على صحة سائر المقدمات ، وقد ذكرنا في سورة طه أن العلماء اختلفوا في أن فرعون هل كان عارفا بربه أم لا ؟ ولمجيب أن يجيب ، فيقول : إن ظهور المعجزة يدل أولا على وجود الإله القادر المختار ، وثانيا : على أن الإله جعله قائما مقام تصديق ذلك الرسول ، فلعل فرعون كان جاهلا بوجود الإله القادر المختار ، وطلب منه إظهار تلك المبينة حتى أنه إن أظهرها وأتى بها كان ذلك دليلا على وجود الإله أولا ، وعلى صحة نبوته ثانيا ، وعلى هذا التقدير : لا يلزم من اقتصار فرعون على طلب البينة ، كونه مقرا بوجود الإله الفاعل المختار . المسألة الثالثة : قرأ نافع { حقيق علي } مشدد الياء والباقون بسكون الياء والتخفيف . أما قراءة نافع { فحقيق } يجوز أن يكون بمعنى فاعل . قال الليث : حق الشيء معناه وجب ، ويحق عليك أن تفعل كذا ، وحقيق علي أن أفعله ، بمعنى فاعل . والمعنى : واجب علي ترك القول على الله إلا بالحق ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول ، وضع فعيل في موضع مفعول . تقول العرب : حق علي أن أفعل كذا وإني لمحقوق على أن أفعل خيرا ، أي حق علي ذلك بمعنى استحق .
إذا عرفت هذا فنقول : حجة نافع في تشديد الياء أن حق يتعدى بعلي . قال تعالى : { فحق علينا قول ربنا } وقال : { فحق عليها القول } فحقيق يجوز أن يكون موصولا بحرف على من هذا الوجه ، وأيضا فإن قوله : { حقيق } بمعنى واجب ، فكما أن وجب يتعدى بعلى ، كذلك حقيق إن أريد به وجب ، يتعدى بعلى . وأما قراءة العامة { حقيق علي } بسكون الياء . ففيه وجوه : الأول : أن العرب تجعل الباء في موضع «علي » تقول : رميت على القوس وبالقوس ، وجئت على حال حسنة ، وبحال حسنة . قال الأخفش : وهذا كما قال : { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } فكما وقعت الباء في قوله : { بكل صراط } موضع «علي » كذلك وقعت كلمة «على » موقع الباء في قوله : { حقيق علي أن لا أقول } يؤكد هذا الوجه قراءة عبد الله { حقيق بأن لا أقول } وعلى هذه القراءة فالتقدير : أنا حقيق بأن لا أقول ، وعلى قراءة نافع يرتفع بالابتداء ، وخبره { أن لا أقول } الثاني : أن الحق هو الثابت الدائم ، والحقيق مبالغة فيه ، وكان المعنى : أنا ثابت مستمر على أن لا أقول إلا الحق . الثالث : الحقيق ههنا بمعنى المحقوق ، وهو من قولك : حققت الرجل إذا ما تحققته وعرفته على يقين ، ولفظة { علي } ههنا هي التي تقرن بالأوصاف اللازمة الأصلية ، كقوله تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } وتقول : جاءت فلان على هيئته وعادته ، وعرفته وتحققته على كذا وكذا من الصفات ، فمعنى الآية : أني لم أعرف ولم أتحقق إلا على قول الحق . والله أعلم .
أما قوله : { فأرسل معي بني إسرائيل } أي أطلق عنهم وخلهم ، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة ، مثل ضرب اللبن ونقل التراب ، فعند هذا الكلام قال فرعون : { قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.