مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (130)

قوله تعالى : { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون }

اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه : { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } لا جرم بدأ ههنا بذكر ما أنزله بفرعون وبقومه من المحن حالا بعد حال ، إلى أن وصل الأمر إلى الهلاك تنبيها للمكلفين على الزجر عن الكفر والتمسك بتكذيب الرسل .

خوفا من نزول هذه المحن بهم . فقال : { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : السنين جمع السنة قال أبو علي الفارسي : السنة على معنيين : أحدهما : يراد بها -الحول والعام- والآخر يراد بها الجدب وهو خلاف الخصب فمما أريد به الجدب هذه الآية وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف ) وقول عمر رضي الله عنه : إنا لا نقع في عام السنة ، فلما كانت السنة يعني بها الجدب ، اشتقوا منها كما يشتق من الجدب . ويقال : أسنتوا ، كما يقال أجدبوا . قال الشاعر :

ورجال مكة مسنتون عجاف *** . . .

قال أبو زيد : بعض العرب تقول ، هذه سنين ورأيت سنينا ، فتعرب النون . ونحوه . قال الفراء : ومنه قول الشاعر :

دعاني من نجد فإن سنينه *** لعبن بنا وشيبننا مردا

قال الزجاج : السنين في كلام العرب الجدوب ، يقال مستهم السنة ومعناه : جدب السنة . وشدة السنة .

إذا عرفت هذا فنقول : قال المفسرون : { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } يريد الجوع والقحط عاما بعد عام ، فالسنون لأهل البوادي { ونقص من الثمرات } لأهل القرى .

ثم قال تعالى : { لعلهم يذكرون } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : ظاهر الآية أنه تعالى إنما أنزل عليهم هذه المضار لأجل أن يرجعوا عن طريقة التمرد والعناد إلى الانقياد والعبودية ، وذلك لأن أحوال الشدة ترقق القلب وترغب فيما عند الله ، والدليل عليه قوله تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } وقوله : { وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } .

المسألة الثانية : قال القاضي : هذه الآية تدل على أنه تعالى فعل ذلك إرادة منه أن يتذكروا ، لا أن يقيموا على ما هم عليه من الكفر .

أجاب الواحدي عنه : بأنه قد جاء لفظ الابتلاء والاختبار في القرآن ، لا بمعنى أنه تعالى يمتحنهم ، لأن ذلك على الله تعالى محال ، بل بمعنى أنه تعالى عاملهم معاملة تشبه الابتلاء والامتحان ، فكذا ههنا والله أعلم .