مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لِيَوۡمٍ عَظِيمٖ} (5)

قوله تعالى : { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين } اعلم أنه تعالى وبخ هؤلاء المطففين فقال : { ألا يظن أولئك } الذين يطففون { أنهم مبعوثون ليوم عظيم } وهو يوم القيامة ، وفي الظن ههنا قولان : ( الأول ) : أن المراد منه العلم ، وعلى هذا التقدير يحتمل أن يكون المخاطبون بهذا الخطاب من جملة المصدقين بالبعث ، ويحتمل أن لا يكونوا كذلك ( أما الاحتمال الأول ) : فهو ما روي أن المسلمين من أهل المدينة وهم الأوس والخزرج كانوا كذلك ، وحين ورد النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك شائعا فيهم ، وكانوا مصدقين بالبعث والنشور ، فلا جرم ذكروا به ، وأما إن قلنا : بأن المخاطبين بهذه الآية ما كانوا مؤمنين بالبعث إلا أنهم كانوا متمكنين من الاستدلال عليه ، لما في العقول من إيصال الجزاء إلى المحسن والمسيء ، أو إمكان ذلك إن لم يثبت وجوبه ، وهذا مما يجوز أن يخاطب به من ينكر البعث ، والمعنى ألا يتفكرون حتى يعلموا أنهم مبعوثون ، لكنهم قد أعرضوا عن التفكر ، وأراحوا أنفسهم عن متاعبه ومشاقه ، وإنما يجعل العلم الاستدلال ظنا ، لأن أكثر العلوم الاستدلالية راجع إلى الأغلب في الرأي ، ولم يكن كالشك الذي يعتدل الوجهان فيه لا جرم سمي ذلك ظنا ( القول الثاني ) : أن المراد من الظن ههنا هو الظن نفسه لا العلم ، ويكون المعنى أن هؤلاء المطففين هب أنهم لا يجزمون بالبعث ولكن لا أقل من الظن ، فإن الأليق بحكمة الله ورحمته ورعايته مصالح خلقه أن لا يهمل أمرهم بعد الموت بالكلية ، وأن يكون لهم حشر ونشر ، وأن هذا الظن كاف في حصول الخوف ، كأنه سبحانه وتعالى يقول : هب أن هؤلاء لا يقطعون به أفلا يظنونه أيضا .