مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ} (12)

المسألة الأولى : ذكروا في تفسير { النار الكبرى } وجوها ( أحدها ) : قال الحسن : الكبرى نار جهنم ، والصغرى نار الدنيا ( وثانيها ) : أن في الآخرة نيرانا ودركات متفاضلة كما أن في الدنيا ذنوبا ومعاصي متفاضلة ، وكما أن الكافر أشقى العصاة كذلك يصلى أعظم النيران ( وثالثها ) : أن النار الكبرى هي النار السفلى ، وهي تصيب الكفار على ما قال تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } .

المسألة الثانية : قالوا : نزلت هذه الآية في الوليد وعتبة وأبي ، وأنت تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لا سيما وقد بينا صحة هذا الترتيب بالبرهان العقلي .

المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : إن الله تعالى ذكر ههنا قسمين ( أحدهما ) : الذي يذكر ويخشى ( والثاني ) : الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ، لكن وجود الأشقى يستدعي وجود الشقي فكيف حال هذا القسم ؟ ( وجوابه ) : أن لفظة الأشقى لا تقتضي وجود الشقي إذ قد يجري مثل هذا اللفظ من غير مشاركة ، كقوله تعالى : { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا } وقيل : المعنى ، ويتجنبها الشقي الذي يصلى كما في قوله : { وهو أهون عليه } أي هين عليه ، ومثل قول القائل :

إن الذي سمك السماء بنى لنا *** بيتا دعائمه أعز وأطول

هذا ما قيل لكن التحقيق ما ذكرنا أن الفرق الثلاثة ، العارف والمتوقف والمعاند فالسعيد هو العارف ، والمتوقف له بعض الشقاء والأشقى هو المعاند الذي بينا أنه هو الذي لا يلتفت إلى الدعوة ولا يصغى إليها ويتجنبها .