روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} (2)

{ مِن شَرّ مَا خَلَقَ } أي من شر الذين خلقه من الثقلين وغيرهم كائناً ما كان من ذوات الطباع والاختيار والظاهر عموم الشر للمضار البدنية وغيرها وزعم بعضهم أن الاستعاذة ههنا من المضار البدنية وإنها تعم الإنسان وغيره مما ليس بصدد الاستعاذة ثم جعل عمومها مدار إضافة الرب إلى الفلق بالمعنى العام وهو كما ترى نعم الذي يتبادر إلى الذهن أن عمومه لشرور الدنيا وقال بعض الأفاضل هو عام لكل شر في الدنيا والآخرة وشر الإنس والجن والشياطين وشر البساع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل وظاهره تعميم ما خلق بحيث يشمل نفس المستعيذ ولا يأبى ذلك نزول السورة ليستعيذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوز بعضهم جعل ما مصدرية مع تأويل المصدر باسم المفعول وهو تكلف مستغني عنه وإضافة الشر إلى ما خلق قيل لاختصاصه بعالم الخلق المؤسس على امتزاج المواد المتباينة المستتبعة للكون والفساد وأما عالم الأمر الذي أوجد بمجرد أمركن من غير مادة فهو خير محض منزه عن شوائب الشر بالمرة والظاهر أنه عنى بعالم الأمر عالم المجردات وهم الملائكة عليهم السلام وأورد عليه بعد غض الطرف عن عدم ورود ذلك في لسان الشرع أن منهم من يصدر منه شر كخسف البلاد وتعذيب العباد وأجيب بأن ذلك بأمره تعالى فلم يصدر إلا لامتثال الأمر لا لقصد الشر من حيث هو شر فلا إيراد نعم يرد أن كونهم مجردين خلاف المختار الذي عليه سلف الأمة ومن تبعهم بل هم أجسام لطيفة نورية ولو سلم تجردهم قلنا بعدم حصر المجردات فيهم كيف وقد قال كثير بتجرد الجن فقالوا إنها ليست أجساماً ولا حالة فيها بل هي جواهر مجردة قائمة بأنفسها مختلفة بالماهية بعضها خيرة وبعضها شريرة وبعضها كريمة حرة محبة للخيرات وبعضها دنية خسيسة محبة للشرور والآفات وبالجملة ما خلق أعم من المجرد على القول به وغيره والكل مخلوق له تعالى أي موجد بالاختيار بعد العدم إلا أن المراد الاستعاذة مما فيه شر من ذلك وقرأ عمرو بن فائد على ما في «البحر » من شر بالتنوين وقال ابن عطية هي قراءة عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر وحملوا ما على النفي وجعلوا الجملة في موضع الصفة أي من شر ما خلقه الله تعالى ولا أوجده وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل انتهى وأنت تعلم أن القراءة بالرواية ولا يتعين في هذه القراءة هذا التوجيه بل يجوز أن تكون ما بدلاً من شر على تقدير محذوف قد حقف لدلالة ما قبله عليه أي من شر ما خلق .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} (2)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ من شر ما خلق } من الجن والإنس . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقال جلّ ثناؤه : { مِنْ شَرّ ما خَلَقَ } لأنه أمر نبيه أن يستعيذ من شرّ كل شيء ، إذ كان كلّ ما سواه ، فهو ما خَلق . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ مِن شَرّ مَا خَلَقَ } من شر خلقه . وشرّهم : ما يفعله المكلفون من الحيوان من المعاصي والمآثم ، ومضارة بعضهم بعضاً من ظلم وبغي ، وقتل وضرب وشتم وغير ذلك ، وما يفعله غير المكلفين منه من الأكل والنهش واللدغ والعضّ كالسباع والحشرات ، وما وضعه الله في الموات من أنواع الضرر كالإحراق في النار ، والقتل في السم .

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

والشر مسند في الآية إلى المخلوق المفعول ، لا إلى خلق الرب تعالى الذي هو فعله وتكوينه ، فإنه لا شر فيه بوجه ما ، فإن الشر لا يدخل في شيء من صفاته ، ولا في أفعاله ، كما لا يلحق ذاته تبارك وتعالى ، فإن ذاته لها الكمال المطلق ، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، وأوصافه كذلك لها الكمال المطلق والجلال التام ، ولا عيب فيها ولا نقص بوجه ما ، وكذلك أفعاله كلها خيرات محضة ، لا شر فيها أصلا ، ولو فعل الشر سبحانه لاشتق له منه اسم ، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى ، ولعاد إليه منه حكم ، تعالى ربنا وتقدس عن ذلك . وما يفعله من العدل بعباده ، وعقوبة من يستحق العقوبة منهم : هو خير محض ؛ إذ هو محض العدل والحكمة ، وإنما يكون شرا بالنسبة إليهم ، فالشر وقع في تعلقه بهم ، وقيامه بهم ، لا في فعله القائم به تعالى

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كانت الأشياء قسمين : عالم الخلق ، وعالم الأمر ، وكان عالم الأمر خيراً كله ، فكان الشر منحصراً في عالم الخلق خاصة بالاستعاذة ، فقال تعالى معمماً فيها : { من شر ما خلق } ، أي من كل شيء سوى الله تعالى عز وجل وصفاته ، والشر تارة يكون اختيارياً من العاقل الداخل تحت مدلول " لا " وغيره من سائر الحيوان كالكفر ، والظلم ، ونهش السباع ، ولدغ ذوات السموم ، وتارة طبيعياً كإحراق النار ، وإهلاك السموم . ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

أي من شر خلقه إطلاقا وإجمالا . وللخلائق شرور في حالات اتصال بعضها ببعض . كما أن لها خيرا ونفعا في حالات أخرى . والاستعاذة بالله هنا من شرها ليبقى خيرها . والله الذي خلقها قادر على توجيهها وتدبير الحالات التي يتضح فيها خيرها لا شرها !

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

من المخلوقات المتحركة في الكون من الإنس والجن والحيوان وغيرهم ، مما يمكن أن يُحدث للإنسان شرّاً في بدنه وماله وعرضه وأهله ، في ما يخافه الإنسان من ذلك ، فيعقّد له نفسه من حيث ما يثيره تصوّر ذلك من مخاوف ، أو يُطلقه من تهاويل ، فيمنعه عن الانطلاق في الحركة في خطّ المسؤولية ؛ لأن الخوف والقلق من العوامل المؤثرة سلباً في عمق تصور الكائن الإنساني وحركته ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

من كلّ موجود شرّير من الإنس والجن والحيوان وحوادث الشرّ والنفس الأمارة بالسوء ، وهذا لا يعني أنّ الخلق الإلهي ينطوي في ذاته على شرّ ؛ لأنّ الخلق هو الإيجاد ، والإيجاد خير محض . يقول سبحانه : { الذي أحسن كلّ شيء خلقه } . بل الشرّ يعرض المخلوقات حين تنحرف عن قوانين الخلقة ، وتنسلخ عن المسير المعين لها . على سبيل المثال ، أنياب الحيوانات وسيلة دفاعية تستخدمها أمام الأعداء ، كما نستخدم نحن السلاح للدفاع مقابل العدو . لو أنّ هذا السلاح استخدم في محله فهو خير ، وإن لم يستعمل في محله كأن صوب تجاه صديق ، فهو شرّ . جدير بالذكر أنّ كثيراً من الأُمور نحسبها شرّاً وفي باطنها خير كثير ، مثل الحوادث والبلايا التي تنفض عن الإنسان غبار الغفلة وتدفعه إلى التوجه نحو اللّه ، هذه ليس من الشرّ حتماً .