تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} (2)

الآية 2 : وقوله تعالى : { من شر ما خلق } له وجهان :

أحدهما : من شر خلقه لما أضافه إلى فعله ، كما يقال : من شر فعل فلان ، أو من شر يفعله .

( والثاني : ){[24224]} من شر يكون من خلقه .

لكن الإضافة إليه بما هو خالق كل شيء من فعل خلقه ، ومن خلق ما له الفعل ، ولا فعل .

والأول كأنه أقرب لما ذكر في بقية السورة الواقع بخلقه المكتسب من جهتهم ، وأضيف إليه لما بينا ، ولأن كل شر اكتسبه الخلق ، فذلك منسوب إلى الله تعالى خلقا ، وهو فعل المكتسب وكسبه .

فمتى كان المراد من قوله تعالى : { من شر ما خلق } هذا النوع ، فكان ذكر ما بعده ، يكون تكريرا . وإذا حمل الأول على محض التخليق في ما لا صنع للخلق فيه من الشرور ، كان ذكر ما لهم صنع فيه ، وإن كان خلق الله تعالى لا يكون تكريرا ، فيكون هذا التأويل أحق مع ما قد بينا أنه يمنع في فعل غيره بلطف أو إعجاز ، ( وفي الإعجاز ){[24225]} لا يحتمل التعوذ من شر من لا يقدر على فعل يتصل به الشر .

وفي ذلك إثبات التمكين لما يقع به الشر ، فيجوز التعوذ من الذي منه ، إذ به يكون من غيره على ( ما ){[24226]} بينا من جواز الأمر والنهي عن أفعال لمكان ما يقع بها ، وإن لم يكن الواقع في الحقيقة لهم .

فعلى ذلك التعوذ من شر خلقه ، وهو المكين والمستعان .

وفي هذا تعلق بعض من يقول بالقوة تسبق الفعل : إنه لو لم يكن له قوة على الشر كيف كان يتعوذ من شر لا يقوى عليه ؟ والجواب من وجهين :

أحدهما : أن التعوذ يكون بما سيفعل بما يملك هو ما يقع لديه الفعل ، وهو الآلات السليمة ، والقدرة تحدث تباعا على حدوث الأفعال ، ويحدث لما يختار هو ، فصارت القدرة في كونها لما يختار ككون ما يختار من الفعل بالاختيار بحدوث القدرة حالة الفعل ، فيتعوذ منه لعلمه أن الذي به كأنه في يده .

والثاني : أن قد جارت العادة بالعلم بما يقع في المتعارف كالعلم بما هو واقع في الرغبة والرهبة .

ألا ترى أنه يتعوذ من ظلم الجبابرة والظلمة على ما بينهم من بعد الأمكنة ، وطول المدد ، لإمكان الوصول بما اعتقد منهم بلوغ أمثال ذلك ؟ وإن كانت القدرة على الظلم في حقه للحال معدومة ، لا يبقى في مثل هذه المدة ، فعلى ذلك الأمر بالأول .


[24224]:في الأصل وم: ويحتمل
[24225]:من م، ساقطة من الأصل
[24226]:من م، ساقطة من الأصل