اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} (2)

قوله : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } ، متعلق ب » أعوذ « ، والعامة : على إضافة » شرِّ «إلى » ما ، وقرأ{[61139]} عمرو بن فايد : «مِنْ شرِّ » بالتنوين .

وقال ابن عطية{[61140]} : وقرأ عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة الذين يرون أن الله لم يخلق الشَّر : «مِنْ شرّ »ِ بالتنوين ، «مَا خلقَ » على النفي ، وهي قراءةٌ مردودةٌ مبنيةٌ على مذهب باطل ، انتهى .

ولا يتعين أن تكون «ما » نافية ؛ بل يجوز أن تكون موصولة بدلاً من «شرِّ » على حذف مضاف ، أي : من شر شر ما خلق ، عمم أولاً ، ثم خصص ثانياً .

وقال أبو البقاء{[61141]} : و «ما » على هذا بدل من «شر » ، أو زائدة ، ولا يجوز أن تكون نافية ؛ لأن النافية لا يتقدم عليها ما في حيزها ، فلذلك لم يجز أن يكون التقدير : ما خلق من شر ، ثم هو فاسد في المعنى ، وهو رد حسن صناعي ، ولا يقال : إن «مِنْ شرِّ » متعلق ب «أعُوذُ » ، وقد أنحى مكي على هذا القائل ، ورده بما تقدم .

و «ما » مصدرية ، أو بمعنى «الذي » .

فصل في المقصود بشر ما خلق

روى عطاء عن ابن عباس : يريد إبليس خاصة ؛ لأن الله تعالى لم يخلق أشرَّ منه ، وأن السورة{[61142]} إنما نزلت في الاستعاذة من السِّحر ، وذلك إنَّما يتم بإبليس وجنوده ، لعنهم الله{[61143]} ، وقيل : جهنم وما خلق فيها .

وقيل : عام ؛ أي من شر كل ما خلقه الله ، وقيل : ما خلق الله من الأمراض ، والأسقام [ والقحط ]{[61144]} وأنواع المِحَنْ .

وقال الجبائي والقاضي{[61145]} : هذا التقييد باطل ؛ لأن فعل الله - تعالى - لا يجوز أن يوصف بأنه شر ؛ لأن الذي أمر بالتعوذ منه هو الذي أمر به ، وذلك متناقض ؛ لأن أفعاله - تعالى - كلها حكمة وصواب ، فلا يجوز أن يقال : شرّ .

وأيضاً : فلأن فعل الله لو كان شرَّا ؛ لوصف فاعله بأنه شر ، وتعالى الله عن ذلك .

والجواب عن الأول : أنه لا امتناع في قوله : أعوذ بك منك ، كما رد عن الثاني أن الإنسان لم تألم وصف بالألم كقوله تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ، وقوله تعالى : { فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 194 ] .

وعن الثالث : أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية ، ومما يدل على جواز تسمية الأمراض والأسقام بأنها شرور قوله تعالى : { إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً } [ المعارج : 20 ] .


[61139]:ينظر : البحر المحيط 8/533، والدر المصون 6/591.
[61140]:المحرر الوجيز 5/538.
[61141]:الإملاء 2/297.
[61142]:في أ: الآية.
[61143]:ينظر تفسير القرطبي (20/175).
[61144]:سقط من: ب.
[61145]:ينظر: الفخر الرازي 32/177.