روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي لم يكافئه أحد ولم يماثله ولم يشاكله من صاحبة وغيرها وقيل هو نفي للكفاءة المعتبرة بين الأزواج وهو كما ترى وله صلة كفوا على ما ذهب إليه المبرد وغيره والأصل أن يؤخر إلا أنه قدم للاهتمام لأن المقصود نفي المكافاة عن ذاته عز وجل وللاهتمام أيضاً قدم الخبر مع ما فيه من رعاية الفواصل قيل له إن الظرف هنا وإن لم يكن خيراً مبطل سقوطه معنى لكلام لأنك لو قلت لم يكن كفواً أحد لم يكن له معنى فلما احتيج إليه صار بمنزلة الخبر فحسن ذلك وقال أبو حيان كلام سيبويه في الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً وهو الظرف التام وما هنا ليس كذلك وقال ابن الحاجب قدم الظرف للفواصل ورعايتها ولم يقدم على أحد لئلا يفصل بين المبتدأ وخبره وفيه نظر ظاهر وجوز أن يكون الظرف حالاً من أحد قدم عليه رعاية للفاصلة ولئلا يلتبس بالصفة أو الصلة وأن يكون خبراً ليكن ويكون كفواً حالاً من أحد قدم عليه لكونه نكرة أو حالاً من الضمير في الظرف الواقع خبراً وهذا الوجه نقله أبو علي في الحجة عن بعض النحاة ورد بأنه كما سمعت آنفاً عن أبي حيان ظرف ناقص لا يصح أن يكون خبراً فإن قدر له متعلق خاص وهو مماثل ونحوه مما تتم به الفائدة يكون كفواً زائداً ولعل وقوع الجمل الثلاث متعاطفة دون ماعداها من هذه السورة لأنها سيقت لمعنى وغرض واحد وهو نفي المماثلة والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه وما تضمنته أقسامها لأن المماثل إما ولد أو والد أو نظير غيرهما فلتغاير الأقسام واجتماعها في المقسم لزم العطف فيها بالواو كما هو مقتضى قواعد المعاني وفي كفواً لغات ضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء وضم الكاف مع ضم الفاء وقراءة حمزة ويعقوب ونافع في رواية كفؤا بالهمز والتخفيف وحفص بالحركة وإبدال الهمزة واواً وباقي السبعة بالحركة مهموزاً وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع في رواية وفي أخرى عنه كفي من غير همز نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد كما في قول النابغة

: لا تقذفني بركن لا كفاء له *** أي لا مثل له كما قال الأعلم

ختام السورة:

وهذه السورة الجليلة قد انطوت مع تقارب قطرها على أشتات المعارف الإلهية والعقائد الإسلامية ولذا جاء فيها ما جاء من الأخبار وورد ما ورد من الآثار ودل على تحقيق معنى الآلهة بالصمدية التي معناها وجوب الوجود أو المبدئية لوجود كل ما عداه من الموجودات تم عقب ذلك ببيان أنه لا يتولد عنه غيره لأنه غير متولد عن غيره وبين أنه تعالى وإن كان إلهاً لجميع الموجودات فياضاً للوجود عليها فلا يجوز أن يفيض الوجود على مثله كما لم يكن وجوده من غيره ثم عقب ذلك ببيان أنه ليس في الوجود ما يساويه في قوة الوجود فمن أول السورة إلى { الصمد } في بيان ماهيته تعالى ولوازم ماهيته ووحدة حقيقته وإنه غير مركب أصلاً ومن قوله تعالى لم يلد إلى أحد في بيان أنه ليس ما يساويه من نوعه ولا من جنسه لا بأن يكون سبحانه متولداً ولا بأن يكون متولداً عنه ولا بأن يكون موازي في الوجود وبهذا المبلغ يحصل تمام معرفة ذاته عز وجل انتهى وأشار فيه إلى أن ولم يولد كالتعليل لما قبله وكأن قد قال قبل إن كل ما كان مادياً أو كان له علاقة بالمادة يكون متولداً عن غيره فيصير تقدير الكلام لم يلد لأنه لم يتولد والإشارة إلى دليله فهو أول السورة فإنه لما لم يكن له ماهية واعتبار سوى أنه هو لذاته وجب أن لا يكون متولداً عن غيره إلا لكانت هويته مستفادة عن غيره فلا يكون هو لذاته وظاهر العطف يقتضي عدم اعتبار ما أشار إليه من العلية وقد علمت فيما سبق وجه ذكره وجعل بعضهم العطف فيه قريباً من عطف لا يستقدمون على { لا يستأخرون } [ الأعراف : 34 ] وأشار بعض السلف إلى أن ذكر ذلك لأنه جاء في سبب النزول أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه من أي شيء هو أمن كذا أم من كذا وممن ورث الدنيا ولمن يورثها وقال الإمام أن هو الله أحد ثلاثة ألفاظ وكل واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات الطالبين فالمقام الأول مقام المقربين وهو أعلى مقامات السائرين إلى الله تعالى وهؤلاء نظروا بعيون عقولهم إلى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي فما رأوا موجوداً سوى الحق لأنه الذي يجب وجوده لذاته وما عداه ممكن لذاته فهو من حيث ذاته ليس فقالوا هو إشارة إلى الحق إذ ليس هناك في نظرهم موجود يرجع إليه سواه عز وجل ليحتاج إلى التمييز والمقام الثاني لأصحاب اليمين وهؤلاء شاهدوا الحق سبحانه موجوداً وكذا شاهدوا الخلق فحصلت كثرة في الموجودات في نظرهم فلم يكن هو كافياً في الإشارة إلى الحق بل لا بد من مميز فاحتاجوا إلى أن يقرنوا لفظة الله بلفظ فقيل لأجلهم هو الله والمقام الثالث مقام أصحاب الشمال الذين يجوزون أن يكون واجب الوجود أكثر من واحد والإله كذلك فجيء بأحد رداً عليهم وإبطالاً لمقالتهم انتهى وبعض الصوفية عد لفظة هو من عداد الأسماء الحسنى بل قال إن هاء الغيبة هي اسمه تعالى الحقيقي لدلالته على الهوية المطلقة مع كونه من ضروريات التنفس الذي به بقاء حياة النفس وإشعار رسمه بالإحاطة ومرتبته من العدد إلى دوامه وعدم فنائه ونقل الدواني عن الإمام أنه قال علمني بعض المشايخ يا هو يا من هو يا من لا إله إلا هو وعلى ذلك اعتقاد أكثر المشايخ اليوم ولم يرد ذلك في الأخبار المقبولة عند المحدثين والله تعالى أعلم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ ولم يكن له كفوا أحد } يقول : لم يكن له عدل ، ولا مثل ... تبارك وتعالى علوا كبيرا ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ } اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ؛

فقال بعضهم : معنى ذلك : ولم يكن له شبيه ولا مِثْل ...

وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه لم يكن له صاحبة ...

والكُفُؤْ والكفئ والكِفاء في كلام العرب واحد ، وهو المِثْل والشّبْه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

ويقال : السورة بعضها تفسيرٌ لبعض ؛ مَنْ هو الله ؟ هو الله ، مَن الله ؟ الأحد ، مَن الأحد ؟ الصمد ، مَن الصمد ؟ الذي لم يلد ولم يولد ، مَن الذي لم يلد ولم يولَد ؟ الذي لم يكن له كفواً أحد .

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ولم يكافئه أحد ، أي : لم يماثله ولم يشاكله ...

سألوه أن يصفه لهم ، فأوحى إليه ما يحتوى على صفاته ، فقوله : { هُوَ الله } إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء وفاطرها ، وفي طيّ ذلك وصفه بأنه قادر عالم ؛ لأنّ الخلق يستدعي القدرة والعلم ... { أَحَدٌ } وصف بالوحدانية ونفي الشركاء . ....{ الصمد } وصف بأنه ليس إلاّ محتاجاً إليه ، وإذا لم يكن إلاّ محتاجاً إليه فهو غني، وفي كونه غنياً مع كونه عالماً : أنه عدل غير فاعل للقبائح ، لعلمه بقبح القبيح ، وعلمه بغناه عنه .

وقوله : { لَمْ يُولَدْ } وصف بالقدم والأوّلية .

وقوله : { لَمْ يَلِدْ } نفي للشبه والمجانسة .

وقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تقرير لذلك ، وبت للحكم به .

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أن هذه السورة أربع آيات ، وفي ترتيبها أنواع من الفوائد ؛

الفائدة الأولى : أن أول السورة يدل على أنه سبحانه واحد ، والصمد على أنه كريم رحيم لأنه لا يصمد إليه حتى يكون محسنا و{ لم يلد ولم يولد } على أنه غني على الإطلاق ومنزه عن التغيرات فلا يبخل بشيء أصلا ، ولا يكون جوده لأجل جر نفع أو دفع ضر ، بل بمحض الإحسان، وقوله : { ولم يكن له كفوا أحد } إشارة إلى نفي ما لا يجوز عليه من الصفات . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ ولم يكن } ، أي لم يتحقق ولم يوجد بوجه من الوجوه ، ولا بتقدير من التقادير { له } أي خاصة { كفواً } ، أي مثلاً ومساوياً ، { أحد } على الإطلاق ، أي لا يساويه في قوة الوجود ....

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

أي لم يوجد له مماثل أو مكافئ . لا في حقيقة الوجود ، ولا في حقيقة الفاعلية ، ولا في أية صفة من الصفات الذاتية . وهذا كذلك يتحقق بأنه( أحد ) ولكن هذا توكيد وتفصيل . . وهو نفي للعقيدة الثنائية التي تزعم أن الله هو إله الخير وأن للشر إلها يعاكس الله - بزعمهم - ويعكس عليه أعماله الخيرة وينشر الفساد في الأرض ....

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

{ ولم يكن له كفوا أحد } ، أي : ليس له من خلقه نظير يساميه أو يدانيه ، ولذلك تنزه جل جلاله عن اتخاذ الزوجة ، كما تنزه عن الولد ...

ختام السورة:

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

القول في الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة ، وفيه ثلاث مسائل : الأولى : ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا سمع رجلا يقرأ { قل هو الله أحد } يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، وكان الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " . وعنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة " ؟ فشق ذلك عليهم ، وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : " الله الواحد الصمد ثلث القرآن " ، خرجه مسلم من حديث أبي الدرداء بمعناه . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وقد وضح أن هذه السورة أعظم مبين للذات الأقدس بترتيب لا يتصور في العقل أن يكون شيء يساويه ، وكلمات لا تقع في الوهم أن يكون شيء يساويها أو يساوي شيئاً منها ، فأثبت أولاً حقيقته المحضة وهويته بأنه هو ، لا اسم لتلك الحقيقة من حيث هي إلا ذلك ، فعلم أنه واجب الوجود لذاته لا لشيء آخر أصلاً ، ثم عقب ذلك بياناً له بذكر الإلهية التي هي أقرب اللوازم لتلك الحقيقة وأشدها تعريفاً . ولما اقتضت الإلهية الوحدة ؛ لأنها عبارة عن الاستغناء المطلق ، واحتياج الغير إليه الاحتياج المطلق ، دل عليها بالأحد ، ودل على تحقيق معنى الإلهية والوحدة معاً بالصمدية لما لها من المعنيين : وجوب الوجود بعدم الجوف وجوداً أو تقديراً ، والسيادة المفيضة لكل وجود على كل موجود وجوداً لا يشبه وجوده سبحانه... وبين المعنيين كليهما بعدم صحة التوليد منه وله وعدم المساوي ، فمن أول السورة إلى آخر الأسماء في بيان حقيقته سبحانه وتعالى ولوازمها الأقرب فالأقرب ، ووحدتها بكل اعتبار ، ومن ثم إلى آخرها في بيان أن لا مساوي له ؛ لأنه لا جنس له ولا نوع حتى يكون هو متولداً عن شيء ، أو يكون متولداً عنه شيء ، أو يكون شيء موازياً له في الوجود ....

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية ، كما أن سورة " الكافرون " نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك . . وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه . وقد كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يستفتح يومه - في صلاة سنة الفجر - بالقراءة بهاتين السورتين . . وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه . .

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

... ومهما يكن من أمر الرواية فالسورة قد استهدفت تقرير عقيدة الوحدة الإلهية ، ونفي كل ما يتناقض معها من العقائد الموجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما تنطوي عليه هذه العقائد من المشابهة والمماثلة والتعدد والشركة والوالدية والولدية بأسلوب حاسم وجيز .

ففي إعلان الوحدة الإلهية رد على من يجعل الله أكثر من واحد ، سواء أكان هذا التعدد مؤولا مرده إلى الوحدة كما هو في العقيدة النصرانية ، أم غير مؤول كما هو في عقيدة المشركين .

وفي إعلان أن الله هو المتجه المفرد والغني المطلق رد على ما كان من اتجاه بعض الفئات إلى غيره ، أو إليه وإلى غيره معا إشراكا واستشفاعا ، ورد على ما كان من اعتقاد بعض الفئات من حاجة الله إلى المساعدين في تدبير ملكوت السماوات والأرض ، ومن أثر هؤلاء المساعدين في الكون إيجابا وسلبا ، ونفعا وضرا .

وفي إعلان نفي الولد عن الله رد على من كان يعتقد أن لله ولدا ، سواء أكان ذلك من مشركي العرب الذين كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله ، أم النصارى الذين كانوا يعتقدون أن المسيح ابن الله ، أم اليهود الذين كانوا يعتقدون أن العزير ابن الله كما جاء في آية سورة التوبة [ 30 ] .

وفي إعلان نفي تولد الله من والد ردّ على من كان يتخذ الملائكة أو المسيح آلهة ، ويعتقدون أنهم أولاد الله .

وفي إعلان نفي المماثلة رد على من كان يتخذ لله أندادا ، ويجعل له شركاء في الخلق والاتجاه والعبادة وارتجاء الخير واتقاء الشر ، كما حكت ذلك آيات عديدة مثل آية سورة البقرة هذه : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله } [ 165 ] ، وآية سورة الرعد هذه : { قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقة فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار16 } .

والسورة في حسمها وإيجازها قطعية المعنى التقريري ، سهلة الحفظ والإيراد على لسان كل مؤمن ، وعنوان الإخلاص في عقيدة الله ووحدته ، وتفرده بالربوبية ، وشمول قدرته وتصرفه ، واستغنائه عن كل معين ، واحتياج جميع الكائنات إليه . وهي من هذا الاعتبار الصورة الواضحة القطعية المحكمة المجردة من كل الملابسات والشبهات للعقيدة الإسلامية بذات الله ، بحيث تكون مرد كل ما يمكن أن يكون من الألفاظ والآيات المتشابهة التي قد تكون وردت في القرآن على سبيل التقريب والتمثيل في نطاق اللغة البشرية ومفاهيمها .

وليس من ريب في أن من شأن الإخلاص في هذه العقيدة على هذا الوجه الحاسم المحكم أن يحرر النفس الإنسانية من الشبهات والارتكاسات والتأويلات والحيرة والخضوع لغير الله من القوى والمظاهر ، وأن يجعل اتجاهها لله الواحد الأحد الشامل القدرة ، المنزه عن كل ما يتناقض مع هذا الشمول والتفرد ، كما أن من شأنه أن يبعث فيها الطمأنينة والقوة والمناعة من التأثر بأي مؤثر ، ومن ارتجاء الخير واتقاء الشر من أي مصدر ، ومن الخضوع لأي قوة ، والرهبة من أحد غيره ، والأمل في سواه .

ويلحظ أن السورة قد اقتصرت كما قلنا على تقرير عقيدة الوحدة الإلهية ، ونفي كل ما يتناقض معها ؛ حيث يبدو أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك في هذه السورة إزاء ما كان سائدا في العالم من نقائض متنوعة المدى لهذه الوحدة المستغنية عن كل شيء ، والتي هي مرجع ومصدر كل شيء . ولقد وصف الله عز وجل في السور السابقة واللاحقة برب العالمين الرحمن الرحيم المالك لكل شيء ، والعالم بكل شيء ، والمحيط بكل شيء ، والقادر على كل شيء ، والمتصرف في كل شيء ، الذي لا تدركه الأبصار ، والذي ليس كمثله شيء ، المتصف بجميع صفات الكمال ، والمنزه عن كل شائبة ونقص . وبذلك تكتمل الصورة القرآنية لله عز وجل في العقيدة الإسلامية كمالا لا يماثله ؛ بل ولا يدانيه شيء من الصور الإلهية في مختلف الديانات الأخرى .

ومعظم روايات النزول وتراتيب السور تجعل هذه السورة بعد سورتي الناس والفلق ، مما يسوغ القول : إن السور الثلاث نزلت في ظرف واحد ، وأوقات متقاربة ، أو متعاقبة . ولهذا دلالة مهمة من حيث توكيد السور الثلاث عدم وجود غير قوة الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد قادرة على النفع والضرر ، والمنع والإعطاء . ومن حيث إيجاب الاستعاذة به وحده ، وعدم خشية أحد غيره ، وعدم الاتجاه إلى غيره في أي مطلب وحاجة .