روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ} (107)

{ وفديناه بِذِبْحٍ } بحيوان يذبح بدله { عظِيمٌ } قيل أي عظيم الجثة سمين وهو كبش أبيض أقرن أعين وفي رواية أملح بدل أبيض ، وعن الحسن أنه وعل أهبط عن ثبير ، والجمهور على الأول ووافقهم الحسن في رواية رواها عنه ابن أبي حاتم وفيها أن اسمه حرير ، واليهود على أنه كبش أيضاً . وفسر المعظم العظيم بعظيم القدر وذلك على ما روي عن ابن عباس لأنه الكبش الذي قربه هابيل فتقبل منه وبقي يرعى في الجنة إلى يوم هذا الفداء ، وفي رواية عنه وعن ابن جبير أنهما قالا : عظمه كونه من كباش الجنة رعى فيها أربعين خريفاً .

وقال مجاهد وصف بالعظم لأنه متقبل يقيناً ، وقال الحسن بن الفضل : لأنه كان من عند الله عز وجل ، وقال أبو بكر الوراق : لأنه لم يكن عن نسل بل عن التكوين ؛ وقال عمرو بن عبيد : لأنه جرت السنة به وصار ديناً باقياً آخر الدهر ، وقيل لأنه فدى به نبي وابن نبي ، وهبوطه من ثبير كما قال الحسن في الوعل وجاء ذلك في رواية عن ابن عباس .

وفي رواية عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه وجده عليه السلام قد ربط بسمرة في أصل ثبير . وعن عطاء بن السائب أنه قال : كنت قاعداً بالمنحر فحدثني قرشي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إن الكبش نزل على إبراهيم في هذا المكان . وفي رواية عن ابن عباس أنه خرج عليه كبش من الجنة قد رعى فيها أربعين خريفاً فأرسل إبراهيم عليه السلام ابنه واتبعه فرماه بسبع حصيات وأحرجه عند الجمرة الأولى فأفلت ورماه بسبع حصيات وأحرجه عند الجمرة الوسطى فأفلت ورماه بسبع حصيات وأحرجه عند الجمرة الكبرى فأتى به المنحر من منى فذبح قيل وهذا أصل سنية رمي الجمار ، والمشهور أن أصل السنية رمي الشيطان هناك ففي خبر عن قتادة أن الشيطان أراد أن يصيب حاجته من إبراهيم وابنه يوم أمر بذبحه فتمثل بصديق له فأراد أن يصده عن ذلك فلم يتمكن فتعرض لابنه فلم يتمكن فأتى الجمرة فانتفخ حتى سد الوادي ومع إبراهيم ملك فقال له : ارم يا إبراهيم فرمى بسبع حصيات يكبر في أثر كل حصاة فافرج له عن الطريق ثم انطلق حتى أتى الجمرة الثانية فسد الوادي أيضاً فقال الملك : ارم يا إبراهيم فرمى كما في الأولى وهكذا في الثالثة ، وظاهر الآية أن الفداء كان بحيوان واحد وهو المعروف . وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه فدى بكبشين أملحين أقرنين أعينين ولا أعرف له صحة ، ويراد بالذبح عليه لو صح الجنس ، والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه السلام ، وقال سبحانه : { *فديناه } على التجوز في الفداء أي أمرنا أو أعطينا أو في إسناده إليه تعالى ، وجوز أن يكون هناك استعارة مكنية أيضاً ، وفائدة العدول عن الأصل التعظيم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ} (107)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ"... والفدية: الجزاء، يقول: جزيناه بأن جعلنا مكان ذبحه ذبح كبش عظيم، وأنقذناه من الذبح...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

الذِّبح: المهيأ لأن يُذبح.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{عظيم} خمسة تأويلات:

...

...

...

الثاني: لأنه ذبح بحق، قاله الحسن.

...

...

...

الرابع: لأنه عظيم البركة.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"وفديناه" ولد إبراهيم "بذبح عظيم"، فالفداء: جعل الشيء مكان غيره لدفع الضرر عنه...

العظيم هو الكبير.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{عظِيمٌ} ضخم الجثة سمين، وهي السنة في الأضاحي.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

«العظيم» لجري السنة، وكونه ديناً باقياً آخر الدهر.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما قدم ما هو الأهم من نهيه عن علاجه، ومن البشارة بالجزاء، ذكر فداءه بما جعله سنة باقية يذكر بها الذكر الجميل على مر الأيام وتعاقب السنين، ولما كان المفتدى منه من كان الأسير في يده، وكان إسماعيل في يد إبراهيم عليهما السلام، وهو يعالج إتلافه، جعل تعالى نفسه المقدس فادياً لأن الفادي من أعطى الفداء، وهو ما يدفع لفكاك الأسير، وجعل إبراهيم عليه السلام مفتدى منه تشريفاً له وإن كان في الحقيقة كالآلة التي لا فعل لها، والله تعالى هو المفتدى منه حقيقة فقال: {وفديناه} أي الذبيح عن إنفاذ ذبحه وإتمامه تشريفاً له {بذبح} أي بما ينبغي أن يذبح ويكون موضعاً للذبح، وهو كبش من الجنة، قيل: إنه الذي قربه هابيل فتقبله الله منه {عظيم} أي في الجثة والقدر والرتبة لأنه مقبول ومستن به ومجعول ديناً إلى آخر الدهر.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة {وفديناهُ} يظهر أنها من الكلام الذي خاطب الله به إبراهيم.

والمعنى: وقد فدينا ابنَك بذبح عظيم ولولا هذا التقدير تكون حكاية نداء الله إبراهيم غير مشتملة على المقصود من النداء وهو إبطال الأمر بذبح الغلام.

والفِدَى والفداء: إعطاء شيء بدلاً عن حق للمعطَى، ويطلق على الشيء المفدَى به من إطلاق المصدر على المفعول. وأسند الفداء إلى الله لأنه الآذِن به، فهو مجاز عقلي، فإن الله أوحى إلى إبراهيم أن يذبح الكبش فداء عن ذبح ابنه وإبراهيم هو الفادي بإذن الله، وابن إبراهيم مُفْدىً.

والذِبح بكسر الذال: المذبوح ووزن فِعل بكسر الفاء وسكون عين الكلمة يكثر أن يكون بمعنى المفعول مما اشتق منه مثل: الحِب والطِحن والعِدل.

ووصفه ب {عَظِيمٍ} بمعنى شرف قدر هذا الذِبح، وهو أن الله فدَى به ابن رسولٍ وأبقى به من سيكون رسولاً فعِظمه بعظم أثره، ولأنه سخره الله لإِبراهيم في ذلك الوقت وذلك المكان.

وقد أشارت هذه الآيات إلى قصة الذبيح ولم يسمه القرآن لعله لئلا يثير خلافاً بين المسلمين وأهل الكتاب في تعيين الذبيح مِن ولدَيْ إبراهيم، وكان المقصد تألف أهل الكتاب لإِقامة الحجة عليهم في الاعتراف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديق القرآن، ولم يكن ثَمة مقصد مهمّ يتعلق بتعيين الذبيح ولا في تخطئة أهل الكتاب في تعيينه، وأمارة ذلك أن القرآن سمّى إسماعيل في مواضع غيرِ قصة الذبح وسمَّى إسحاق في مواضع، ومنها بشارة أمه على لسان الملائكة الذين أرسلوا إلى قوم لُوط، وذكر اسمَيْ إسماعيل وإسحاق أنهما وُهبا له على الكِبر ولم يسمّ أحداً في قصة الذبح قصداً للإِبهام مع عدم فوات المقصود من الفضل لأن المقصود من القصة التنويه بشأن إبراهيم فأي ولديه كان الذبيح كان في ابتلائه بذبحه وعزمه عليه وما ظهر في ذلك من المعجزة تنويهٌ عظيم بشأن إبراهيم وقال الله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} [العنكبوت: 46] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم "روى الحاكم في « المستدرك» عن معاوية بن أبي سفيان أن أحد الأعراب قال للنبيء صلى الله عليه وسلم يا ابن الذبيحين فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعني أنه من ولد إسماعيل وهو الذبيح وأن أباه عبدَ الله بن عَبد المطلب كان أبوه عبد المطلب نذر: لئن رزقه الله بعشرة بنين أن يذبح العاشر للكعبة، فلما وُلد عبد الله وهو العاشر عزَم عبد المطلب على الوفاء بنذره، فكلّمه كبراء أهل البطاح أن يعْدِلَه بعشرة من الإِبل وأن يستقسم بالأزلام عليه وعلى الإِبل فإن خرج سَهم الإِبل نحرها، ففعل فخرج سهم عبد الله، فقالوا: أرضِ الآلهة، أي الآلهة التي في الكعبة يومئذٍ، فزاد عشرة من الإِبل واستقسم فخرج سهم عبد الله، فلم يزالوا يقولون: أرْضِ الآلهة ويزيد عبد المطلب عشرة من الإِبل ويعيد الاستقسام ويخرج سهم عبد الله إلى أن بلغ مائة من الإِبل واستقسم عليهما فخرج سَهم الإِبل فقالوا رَضِيتْ الآلهة فذبحها فداءً عنه.

وكانت منقبة لعبد المطلب ولابنه أبي النبي صلى الله عليه وسلم تشبه منقبة جدّه إبراهيم وإن كانت جرت على أحوال الجاهلية فإنها يستخلص منها غيرُ ما حفّ بها من الأعراض الباطلة، وكان الزمان زمان فترة لا شريعةَ فيه ولم يَرد في السنة الصحيحة ما يخالف هذا...

والتأمُّل في هذه الآية يقوّي الظن بأن الذبيح إسماعيل، فإنه ظاهر قوي في أن المأمور بذبحه هو الغلام الحليم في قوله: {فبشَّرناهُ بغلامٍ حَليمٍ} وأنه هو الذي سأل إبراهيمُ ربه أن يهب له فساقت الآية قصة الابتلاء بذبح هذا الغلام الحليم الموهوب لإِبراهيم، ثم أعقبت قصته بقوله تعالى: {وبشرناهُ بإسحاق نبيئاً من الصالِحِين} [الصافات: 112]، وهذا قريب من دلالة النص على أن إسحاق هو غير الغلام الحليم الذي مضى الكلام على قصته لأن الظاهر أن قوله: {وبشرناه} [الصافات: 112] بشارة ثانية وأن ذكر اسم إسحاق يدل على أنه غير الغلام الحليم الذي أجريت عليه الضمائر المتقدمة.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

إحدى دلائل عظمة هذا الذبح، هو اتساع نطاق هذه العملية سنة بعد سنة بمرور الزمن، وحالياً يذبح في كلّ عام أكثر من مليون أضحية تيمنّاً بذلك الذبح العظيم وإحياء لذلك العمل العظيم.