مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ} (107)

{ وفديناه بذبح عظيم } الذبح مصدر ذبحت والذبح أيضا ما يذبح وهو المراد في هذه الآية ، وههنا مباحث تتعلق بالحكايات فالأول : حكي في قصة الذبيح أن إبراهيم عليه السلام لما أراد ذبحه قال : يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق بنا إلى الشعب نحتطب ، فلما توسطا شعب ثبير أخبره بما أمر به ، فقال : يا أبت اشدد رباطي في كيلا أضطرب ، واكفف عني ثيابك لا ينتضح عليها شيء من دمي فتراه أمي فتحزن ، واستحد شفرتك وأسرع إمرارها على حلقي ليكون أهون فإن الموت شديد ، واقرأ على أمي سلامي وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسهل لها ، فقال إبراهيم عليه السلام : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ، ثم أقبل عليه يقبله وقد ربطه وهما يبكيان ثم وضع السكين على حلقه فقال : كبني على وجهي فإنك إذا نظرت وجهي رحمتني وأدركتك رقة وقد تحول بينك وبين أمر الله سبحانه وتعالى ففعل ثم وضع السكين على قفاه فانقلبت السكين ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا .

البحث الثاني : اختلفوا في ذلك الكبش فقيل إنه الكبش الذي تقرب به هابيل بن آدم إلى الله تعالى فقبله ، وكان في الجنة يرعى حتى فدى الله تعالى به إسماعيل ، وقال آخرون أرسل الله كبشا من الجنة قد رعى أربعين خريفا ، وقال السدي : نودي إبراهيم فالتفت فإذا هو بكبش أملح انحط من الجبل ، فقام عنه إبراهيم فأخذه فذبحه ، وخلى عن ابنه ، ثم اعتنق ابنه وقال : يا بني اليوم وهبت لي ، وأما قوله : { عظيم } فقيل سمي عظيما لعظمه وسمنه ، وقال سعيد بن جبير حق له أن يكون عظيما وقد رعى في الجنة أربعين خريفا ، وقيل سمي عظيما لعظم قدره حيث قبله الله تعالى فداء عن ولد إبراهيم ،