روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ وَزَوَّجۡنَٰهُم بِحُورٍ عِينٖ} (54)

{ كذلك } أي الأمر كذلك فالكاف في محل رفع على الخبرية لمبتدأ محذوف ، والمراد تقرير ما مر وتحقيقه . ونقل عن جار الله أنه قال : والمعنى فيه أنه لم يستوف الوصف وأنه بمثابة ما لا يحيط به الوصف فكأنه قيل : الأمر نحو ذلك وما أشبهه .

وأراد على ما قال المدقق أن الكاف مقحم للمبالغة وذلك مطرد في عرفي العرب والعجم ، وجوز أن يكون في محل نصب على معنى أثبناهم مثل ذلك ، وقوله تعالى : { وزوجناهم } على هذا عطف على الفعل المقدر وعلى ما قبل على { يَلْبِسُونَ } [ الدخان : 53 ] والمراد على ما قال غير واحد وقرناهم { بِحُورٍ عِينٍ } وفسر بذلك قيل لأن الجنة ليس فيها تكليف فلا عقد ولا تزويج بالمعنى المشهور ، وقيل : لمكان الباء ، وزوجه المرأة بمعنى أنكحه إياها متعد بنفسه ، وفيه بحث فإن الأخفش جوز الباء فيه فيقال : زوجته بامرأة فتزوج بها ، وأزدشنوءة يعدونه بالباء أيضاً ، وفي «القاموس » زوجته امرأة وتزوجت امرأة وبها أو هي قليلة ، ويعلم مما ذكر أن قول بعض الفقهاء زوجته بها خطأ لا وجه له ، ويجوز أن يقال : إن ذلك التفسير لأن الحور العين في الجنة ملك يمين كالسراري في الدنيا فلا يحتاج الأمر إلى العقد عليهن ، على أنه يمكن أن يكون في الجنة عقد وإن لم يكن فيها تكليف .

وقد أخرج ابن جرير . وغيره عن مجاهد أنه قال : زوجناهم أنكحناهم . ومن الناس من قال بالتكليف فيها بمعنى الأمر والنهي لكن لا يجدون في الفعل والترك كلفة ، نعم المشهور أن لا تكليف فيها ، وبعض ما حرم في الدنيا كنكاح امرأة الغير ونكاح المحارم لا يفعلونه لعدم خطوره لهم ببال أصلاً ، والحور جمع حوراء وهي البيضاء كما روي عن ابن عباس . والضحاك . وغيرهما ، وقيل : الشديدة سواد العين وبياضها ، وقيل : الحوراء ذات الحور وهو سواد المقلة كلها كما في الظباء فلا يكون في الإنسان إلا مجازاً . وأخرج ابن المنذر . وغيره عن مجاهد أن الحوراء التي يحار فيها الطرف . والعين جمع عيناء وهي عظيمة العينين وأكثر الأخبار تدل على أنهن لسن نساء الدنيا ، أخرج ابن أبي حاتم . والطبراني عن أبي أمامة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الحور العين من زعفران " وأخرج ابن مردويه . والخطيب عن أنس بن مالك مرفوعاً نحوه ، وأخرج ابن المبارك عن زيد بن أسلم قال : إن الله تعالى لم يخلق الحور العين من تراب إنما خلقهن من مسك وكافور وزعفران .

وأخرج ابن مردويه . والديلمي عن عائشة قالت : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حور العين خلقهن من تسبيح الملائكة عليهم السلام "

وهذا إن صح لا يعارض ما قبله إذ لا بد عليه من أن يقال بتجسد المعاني فيجوز تجسد التسبيح وجعله جزأً مما خلقن منه ، وقيل : المراد بهن هنا نساء الدنيا وهن في الجنة حور عين بالمعنى الذي سمعت بل هن أجمل من الحور العين أعني النساء المخلوقات في الجنة من زعفران أو غيره ويعطي الرجل هناك ما كان له في الدنيا من الزوجات ، وقد يضم إلى ذلك ما شاء الله تعالى من نساء متن ولم يتزوجن ، ومن تزوجت بأكثر من واحد فهي لآخر أزواجها أو لأولهم إن لم يكن طلقها في الدنيا أو تخير فتختار من كان أحسنهم خلقاً معها أقوال صحح جمع منها الأول ، وتعطى زوجة كافر دخلت الجنة لمن شاء الله تعالى . وقد ورد أن آسية امرأة فرعون تكون زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم .

وقرأ عكرمة { بِحُورٍ عِينٍ } بالإضافة وهي على معنى من أي بالحور من العين ، وفي قراءة عبد الله { الطرف عِينٌ } والعياسء البيضاء تعلوها حمرة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ وَزَوَّجۡنَٰهُم بِحُورٍ عِينٖ} (54)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{كذلك وزوجناهم بحور} يعني بيض الوجوه.

{عين}، يعني حسان العيون.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: كما أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة بإدخالناهم الجنات، وإلباسناهم فيها السندس والإستبرق، كذلك أكرمناهم بأن زوّجناهم أيضا فيها حورا من النساء، وهن النقيات البياض، واحدتهنّ: حَوْراء...

فأما "العين "فإنها جمع عيناء، وهي العظيمة العينين من النساء.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{عين} أي حِسان الأعين. وقال بعض أهل الأدب: الحَوَر في العين، هو شدة سوادها وبياض بياضها، والعيناء الحسنة العينين، فالجماعة على هيئة واحدة في هذا الباب في المذكر والمؤنث...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{كذلك} الكاف مرفوع على الأمر كذلك، أو منصوب على: مثل ذلك أثبناهم

{وزوجناهم} وقرأ عكرمة «بحور عين» على الإضافة: والمعنى: بالحور من العين؛ لأن العين إما أن تكون حوراً أو غير حور، فهؤلاء من الحور العين لا من شهلهن مثلاً.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان هذا أمراً يبهر العقل، فلا يكاد يتصوره، قال مؤكداً له: {كذلك} أي الأمر كما ذكرنا سواء لا مرية فيه.

ولما كان ذلك لا يتم السرور به إلا بالأزواج قال: {وزوجناهم} أي قرناهم كما تقرن الأزواج، وذكر مظهر العظمة تنبيهاً على كمال الشرف.

{بحور} أي على- حسب التوزيع بجواري بيض حسان نقيات الثياب.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{كذلك} اعتراض وقد تقدم بيان معناه عن قوله تعالى: {كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبْراً} في سورة الكهف (91). وتقدم نظيره آنفاً في هذه السورة.

{وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ}.

معنى {زوجناهم} جعلناهم أزواجاً جمع زوج ضد الفرد، أي جعلنا كل فرد من المتقين زوجاً بسبب نساءٍ حور العيون.

والزوج هنا كناية عن القرين، أي قرنَّا بكل واحد نساءً حوراً عيناً، وليس فعل {زوجناهم} هنا مشتقاً من الزوج الشائعِ إطلاقُه على امرأة الرجل وعلى رجل المرأة لأن ذلك الفعل يتعدى بنفسه يقال: زوجه ابنتَه وتزوج بنت فلان، قال تعالى: {زوَّجناكها} [الأحزاب: 37]، وليس ذلك بمراد هنا إذ لا طائل تحته، إذ ليس في الجنة عقود نكاح، وإنما المراد أنهم مأنوسون بصحبة حبائب من النساء كما أنسوا بصحبة الأصحاب والأحبة من الرجال استكمالاً لمتعارف الأنس بين الناس. وفي كلا الأنسين نعيم نفساني منجرّ للنفس من النعيم الجثماني، وَهذا معنًى ساممٍ من معاني الانبساط الروحي وإنما أفسد بعضه في الدّنيا ما يخالط بعضه من أحوال تجرّ إلى فساد منهي عنه مثل ارتكاب المحرم شرعاً ومثل الاعتداء على المرأة قسراً، ومن مصطلحات متكلفة، وقد سمى الله سكوناً فقال: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنُوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً} [الروم: 21].

والحور: جمع الحوراء، وهي البيضاء، أي بنساء بيضات الجلد.

والعِين: جمع العيناء، وهي واسعة العين، وتقدم في سورة الصافات. وشمل الحور العين النساء اللائي كُنَّ أزواجهن في الدنيا، ونساءً يخلقهن الله لأجل الجنة قال تعالى: {إنا أنشأناهن إنشاءً} [الواقعة: 35] وقال تعالى: {هم وأزواجهم في ظلالٍ} [يس: 56].