التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{كَذَٰلِكَ وَزَوَّجۡنَٰهُم بِحُورٍ عِينٖ} (54)

{ كذلك } .

اعتراض وقد تقدم بيان معناه عن قوله تعالى : { كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبْراً } في سورة الكهف ( 91 ) . وتقدم نظيره آنفاً في هذه السورة .

{ وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ } .

معنى { زوجناهم } جعلناهم أزواجاً جمع زوج ضد الفرد ، أي جعلنا كل فرد من المتقين زوجاً بسبب نساءٍ حور العيون .

والزوج هنا كناية عن القرين ، أي قرنَّا بكل واحد نساءً حوراً عيناً ، وليس فعل { زوجناهم } هنا مشتقاً من الزوج الشائعِ إطلاقُه على امرأة الرجل وعلى رجل المرأة لأن ذلك الفعل يتعدى بنفسه يقال : زوجه ابنتَه وتزوج بنت فلان ، قال تعالى : { زوَّجناكها } [ الأحزاب : 37 ] ، وليس ذلك بمراد هنا إذ لا طائل تحته ، إذ ليس في الجنة عقود نكاح ، وإنما المراد أنهم مأنوسون بصحبة حبائب من النساء كما أنسوا بصحبة الأصحاب والأحبة من الرجال استكمالاً لمتعارف الأنس بين الناس . وفي كلا الأنسين نعيم نفساني منجرّ للنفس من النعيم الجثماني ، وَهذا معنًى ساممٍ من معاني الانبساط الروحي وإنما أفسد بعضه في الدّنيا ما يخالط بعضه من أحوال تجرّ إلى فساد منهي عنه مثل ارتكاب المحرم شرعاً ومثل الاعتداء على المرأة قسراً ، ومن مصطلحات متكلفة ، وقد سمى الله سكوناً فقال : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنُوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً } [ الروم : 21 ] .

والحور : جمع الحوراء ، وهي البيضاء ، أي بنساء بيضات الجلد .

والعِين : جمع العيناء ، وهي واسعة العين ، وتقدم في سورة الصافات . وشمل الحور العين النساء الّلاءِ كُنَّ أزواجهن في الدنيا ، ونساءً يخلقهن الله لأجل الجنة قال تعالى : { إنا أنشأناهن إنشاءً } [ الواقعة : 35 ] وقال تعالى : { هم وأزواجهم في ظلالٍ } [ يس : 56 ] .