روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا} (9)

وقوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها } جواب القسم على ما أخرجه الجماعة عن قتادة وإليه ذهب الزجاج وغيره وحذف اللام كثير لاسيما عند طول الكلام المقتضي للتخفيف أو لسده مسدها وفاعل زكاها ضمير من والضمير المنصوب للنفس وكذا في قوله تعالى : { وَقَدْ خَابَ مَن دساها } وتكرير قد فيه لإبراز الاعتناء بتحقيق مضمونه والإيذان بتعلق القسم به أصالة والتزكية التنمية والتدسية الإخفاء وأصل دسى دسس فأبدل من ثالث التماثلات ياء ثم أبدلت ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وأطلق بعضهم فقال ابدل من ذلك حرف علة كما قالوافي تقضض تقضي ودسس مبالغة في دس بمعنى أخفى قال الشاعر

: ودسست عمراً في التراب فأصبحت *** حلائله منه أرامل ضيعا

وفي «الكشاف » التزكية الإنماء والإعلاء والتدسية النقص والإخفاء أي لقد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من أنمى نفسه وأعلاها بالتقوى علماً وعملاً ولقد خسر من نقصها وأخفاها بالفجور جهلاً وفسوقاً وجوز أن تفسر التزكية بالتطهير من دنس الهيولى والتدسية بالإخفاء فيه والتلوث به وأياً ما كان ففي الوعد والوعيد المذكورين مع إقسامه تعالى عليهما بما أقسم به مما يدل على العلم بوجوده تعالى ووجوب ذاته سبحانه وكمال صفاته عز وجل ويذكر عظائم آلائه وجلائله نعمائه جل وعلا من اللطف بعباده ما لا يخفى .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا} (9)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها" يقول : قد أفلح من زكّى اللّهُ نفسه ، فكّثر تطهيرها من الكفر والمعاصي ، وأصلحها بالصالحات من الأعمال ... عن قتادة "قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها" من عمل خيرا زكّاها بطاعة الله ... وهذا هو موضع القسم ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ قد أفلح من زكاها } { وقد خاب من دساها } ....اختلفوا في تأويل الفلاح : قال بعضهم : أفلح أي سعد ، ومنهم من يقول : أي بقي في الخيرات ، والفلاح البقاء ، ومنهم من يقول : أفلح أي فاز ، والمفلح في الجملة ، هو الذي يظفر بما يأمل ، وينجو عما يحذر ، فيدخل في تلك السعادة والبقاء والفوز . وقوله تعالى : { من زكاها } فجائز أن يكون منصرفا إلى الله تعالى ، وجائز أن ينصرف إلى العبد . قال الله تعالى : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء } [ النور : 21 ] وقال : { قل بفضل الله وبرحمته } [ يونس : 58 ] فبين الله تعالى أنه هو الذي يفضل بتزكيته من زكا . وجائز أن يكون يصرف إلى العبد قوله تعالى : { زكاها } أي صاحبها . وكذلك قوله تعالى : { وقد خاب من دساها } يحتمل هذين الوجهين ، فيكون الله تعالى ، هو الذي أنشأ فعل الضلال فيكون الفعل من حيث الإنشاء من الله تعالى ومن حيث الفعل من العبد ....

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وفيه وجهان :

أحدهما : قد افلح من زكى الله نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال .

الثاني : قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال .

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها وَقَدْ خَابَ مَن دساها } فجعله فاعل التزكية ، والتدسية ومتوليهما والتزكية : الإنمار والإعلاء بالتقوى . والتدسية : النقص والإخفاء بالفجور .

فإن قلت : فأين جواب القسم ؟ قلت : هو محذوف تقديره : ليدمدمنّ الله عليهم ، أي : على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحاً . وأما { قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها ( 9 ) } فكلام تابع لقوله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( 8 ) } على سبيل الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء .

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ قد أفلح } أي ظفر بجميع المرادات { من زكاها } أي نماها وأصلحها وصفاها تصفية عظيمة بما يسره الله له من العلوم النافعة والأعمال الصالحة وطهرها على ما يسره لمجانبته من مذامّ الأخلاق لأن كلاًّ ميسر لما خلق له ، والدين بني على التحلية والتخلية و " زكى " صالح للمعنيين...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهناك إلى جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في ذات الإنسان . هي التي تناط بها التبعة . فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعداد الخير فيها ، وتغليبه على استعداد الشر . . فقد أفلح .

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

واختلف في مرجع الضمير في زكاها ودساها ، وهو يرجع إلى اختلافهم في { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } ، فهل يعود إلى الله تعالى ، كما في { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } ، أم يعود على العبد . ويمكن أن يستدل لكل قول ببعض النصوص . فمما يستدل به للقول الأول قوله تعالى : { بَلِ اللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً 49 } ، وقوله : { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } ، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند هذه الآية : " اللَّهم ائت نفسي تقواها وزكها ، أنت خير من زكاها ، وأنت وليها ومولاها " . ومما استدل به للقول الثاني فقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى 14 وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } ، وقوله : { وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } ، وقوله : { فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى 18 وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } ، وقوله : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } ، وكلها كما ترى محتملة ، والإشكال فيها كالإشكال فيما قبلها . والذي يظهر واللَّه تعالى أعلم : أن الجمع بين تلك النصوص كالجمع في التي قبلها ، وأن ما يتزكى به العبد من إيمان وعمل في طاعة وترك لمعصية ، فإنه بفضل من اللَّه ، كما في قوله تعالى المصرح بذلك { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } . وكل النصوص التي فيها عود الضمير أو إسناد التزكية إلى العبد ، فإنها بفضل من الله ورحمة ، كما تفضل عليه بالهدى والتوفيق للإيمان ، فهو الذي يتفضل عليه بالتوفيق إلى العمل الصالح . وترك المعاصي ، كما في قولك " لا حول ولا قوة إلا باللَّه " وقوله : { فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ } ، وقوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } ، إنما هو بمعنى المدح والثناء ، كما في قوله تعالى : { قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } ، بل إن في قوله تعالى : { بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً 49 } ، الجمع بين الأمرين ، القدري والشرعي ، { بَلِ اللَّهُ يُزَكّي مَن يَشَاءُ } بفضله ، { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً49 } بعدلة . واللَّه تعالى أعلم ....