روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا يُغۡنِي مَوۡلًى عَن مَّوۡلٗى شَيۡـٔٗا وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (41)

{ يَوْمَ لاَ يُغْنِى } بدل من { يوم الفصل } [ الدخان : 40 ] أو عطف بيان عند من لا يشترط المطابقة تعريفاً وتنكيراً ، وجوز نصبه بأعني مقدراً وأن يكون ظرفاً لما دل عليه الفصل لا له للفصل بينه وبينه بأجنبي ، وهو مصدر لا يعمل إذا فصل لضعفه أوله على قول من اغتفر الفصل إذا كان المعمول ظرفاً كابن الحاجب . والرضى ، وجوز أبو البقاء كونه صفة لميقاتهم . وتعقب بأنه جامد نكرة لإضافته للجملة فكيف يكون صفة للمعرفة مع أنه لا يصح بناؤه عند البصريين إذا أضيف إلى جملة صدرها معرب وهو المضارع أي يوم لا يجزى { مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً } من الإغناء أي الإجزاء ، فشيئاً منصوب على المصدرية ويجوز كونه مفعولاً به ، ويغني بمعنى يدفع وينفع . وتنكير { شَيْئاً } للتقليل ، والمولى الصاحب الذي من شأنه أن يتولى معونة صاحبه على أموره فيدخل في ذلك ابن العم والحليف والعتيق والمعتق وغيرهم ، وذكر الخفاجي أنه من الولاية وهي التصرف فيشمل كل من يتصرف في آخر لأمر ما كقرابة وصداقة وهو قريب مما ذكرنا . وأياً ما كان فليس ذلك من استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد ، ولو سلم أن هناك مشتركاً استعمل في أكثر من معنى كانت الآية دليلاً لابن الهمام عليه الرحمة في جواز ذلك في النفي فيقال عنده : ما رأيت عيناً ويراد العين الباصرة وعين الذهب وغيرها ويعلم من نفى إغناء المولى نفى إغناء غيره من باب أولى .

{ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } الضمير عند جمع للمولى الأول ؛ والجمع باعتبار المعنى لأنه نكرة في سياق النفي وهي تعم دون الثاني لأنه أفيد وأبلغ لأن حال المولى الثاني نصرته معلوم من نفي الإغناء السابق ، ولأنه إذا لم ينصر من استند إليه فكيف هو ، وأيضاً وجه جمع الضمير فيه أظهر ، وجوز عوده على الثاني للدلالة على أنه لا ينصره غير مولاه وهو في سياق النفي أيضاً وإن لم يكن في ذلك بمرتبة الأول . نعم قيل في وجه الجمع : عليهما ؛ إن النكرة في سياق النفي تدل على كل فرد فرد فلا يرجع الضمير لها جمعاً .

وأجيب بأنه لا يطرد لأنها قد تحمل على المجموع بقرينة عود ضمير الجمع عليها ، ولعل الأولى عود الضمير على المولى المفهوم من النكرة المنفية ، وقال بعض : لو جعل الضمير للكفار كضمير { ميقاتهم } [ الدخان : 40 ] كثرت الفائدة وقلت المؤنة فتأمل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا يُغۡنِي مَوۡلًى عَن مَّوۡلٗى شَيۡـٔٗا وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (41)

ولا ينفع مولى عن مولى شيئا . لا قريب عن قريبه ولا صديق عن صديقه ، { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي : يمنعون من عذاب الله عز وجل ؛ لأن أحدا من الخلق لا يملك من الأمر شيئا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا يُغۡنِي مَوۡلًى عَن مَّوۡلٗى شَيۡـٔٗا وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (41)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يوم} يعني يوم القيامة يقول: يوافي يوم القيامة الأولون والآخرون، وهو يوم الجمع، هذه الأمة وسواهم من الأمم الخالية، ثم نعت الله تعالى ذلك اليوم، فقال: {يوم} {لا يغني مولى عن مولى شيئا} وهم الكفار، يقول: يوم لا يغني ولي عن وليه، يقول لا يقدر قريب لقرابته الكافر شيئا من المنفعة.

{ولا هم ينصرون}: ولا هم يمنعون من العذاب...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عن مَوْلىً شَيْئا" يقول: لا يدفع ابن عمّ عن ابن عمّ، ولا صاحب عن صاحبه شيئا من عقوبة الله التي حلّت بهم من الله. "وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ "يقول: ولا ينصر بعضهم بعضا، فيستعيذوا ممن نالهم بعقوبة كما كانوا يفعلونه في الدنيا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل {مولًى} الأعلى و {مولًى} الأسفل على ما يعين بعضهم بعضا في الدنيا، ويحتمل كل وليّ وقريب؛ يخبر أنه لا قريب يملك دفع ما نزل به، ولا وليّ يملك نصره ومعونته؛ لأن ولايتهم يومئذ تصير عداوة بقوله عز وجل: {الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [الزخرف: 67] استثنى المتقين.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

لما ذكر الله تعالى أن يوم الفصل ميقات الخلق، يحشرهم الله فيه ويفصل بينهم بالحق أي يوم هو، فوصفه أنه يوم لا يغني فيه مولى عن مولى شيئا، لأن الله تعالى أيأس من ذلك، لما علم فيه من صلاح العباد، ولولا ذلك لجاز أن يغري. والمعنى إنه ليس لهم من ينتصر لهم من عقاب الله تعالى... والمراد في الآية أنه ليس لهم من يغني عنهم من غير أن يأذن الله له فيه على وجه الدفع عنه والنصر له، وبين ذلك بقوله "ولاهم ينصرون "والمولى -ههنا- الصاحب الذي شأنه أن يتولى معونة صاحبه على أموره...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

والمعنى أن الذي يتوقع منه النصرة إما القريب في الدين أو في النسب أو المعتق، وكل هؤلاء يسمون بالمولى، فلما لم تحصل النصرة منهم فبأن لا تحصل ممن سواهم أولى، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} إلى قوله {ولا هم ينصرون} قال الواحدي: والمراد بقوله {مولى عن مولى} الكفار ألا ترى أنه ذكر المؤمن فقال: {إلا من رحم الله}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما ذكر هذا اليوم الذي دل على عظمته بهذه العبارة إفراداً وتركيباً، ذكر من وصفه ما يحمل على الخوف والرجاء، فقال مبدلاً منه: {يوم لا يغني} بوجه من الوجوه {مولى} بقرابة أو غيرها بحلف أو رق من أعلى أو أسفل.

{عن مولى} أريد أخذه بما وقع منه {شيئاً} من الإغناء.

ولما كان الإغناء تارة يكون بالرفق وأخرى بالعنف، صرح بالثاني لأنه أعظمهما والسياق للإهلاك والقهر فقال: {ولا هم} أي القسمان.

{ينصرون} أي من ناصر ما لو أراد بعضهم نصرة بعض، أو أراد غيرهم لو فرض أن ينصرهم، وعبر بالجمع الذي أفاده الإبهام للمولى ليتناول القليل والكثير منه؛ لأن النفي عنه نفي عن الأفراد من باب الأولى.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يتجرد الناس من كل سند لهم في الأرض، ومن كل قربى وآصرة، ويعودون إلى خالقهم فرادى كما خلقهم، يتلقون جزاء ما عملت أيديهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{يوم لا يغني مولى} بدل من {يوم الفصل} أو عطف بيان. وفتحة {يوم لا يغنى} فتحة إعراب لأن {يوم} أضيف إلى جملة ذات فعل معرب.

والمولى: القريب والحليف، وتنكير {مولًى} في سياق النفي لإفادة العموم، أي لا يغني أحد من الموالي كائناً من كان عن أحد من مواليه كائناً من كان.

و {شيئاً} مفعول مطلق لأن المراد {شيئاً} من إغناء. وتنكير {شيئاً} للتقليل وهو الغالب في تنكير لفظ شيء، كما قال تعالى: {وشيءٍ من سِدْرٍ قليلٍ} [سبأ: 16]. ووقوعه في سياق النفي للعموم أيضاً، يعني أيَّ إغناء كان في القلة بَلْهَ الإغناء الكثير. والمعنى: يوم لا تغني عنهم مواليهم، فعُدل عن ذلك إلى التعميم؛ لأنه أوسع فائدة إذ هو بمنزلة التذييل.

والإغناء: الإفادة والنفع بالكثير أو القليل، وضميرا {ولا هم ينصرون} راجعان إلى ما رجع إلَيْهِ ضمير {أهم خيرٌ} [الدخان: 37]، وهو اسم الإشارة من قوله: {إن هؤلاء ليقولون} [الدخان: 34]. والمعنى: أنهم لا يغني عنهم أولياؤهم المظنون بهم ذلك ولا ينصرهم مقيَّضون آخرون ليسوا من مواليهم تأخذهم الحمية أو الغيرة أو الشفقة فينصرونهم.

والنصر: الإعانة على العدوّ وعلى الغالب، وهو أشد الإغْناء. فعطف {ولا هم ينصرون} على {لا يغني مولى عن مولى شيئاً} زيادة في نفي عدم الإغناء.

فمحصل المعنى أنه لا يغني مُوال عن مُواليه بشيء من الإغناء حسب مستطاعه ولا ينصرهم ناصر شديد الاستطاعة هو أقوى منهم يدفع عنهم غلب القوي عليهم، فالله هو الغالب لا يدفعه غالب. وبُني فعل {ينصرون} إلى المجهول ليعم نفي كل ناصر مع إيجاز العبارة.