روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قَالُواْ لَن نَّبۡرَحَ عَلَيۡهِ عَٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرۡجِعَ إِلَيۡنَا مُوسَىٰ} (91)

{ قَالُواْ } في جواب هارون عليه السلام { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ } أي لا نزال على عبادة العجل { عاكفين } مقيمين { حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى } الظاهر من حالهم أنهم لم يجعلوا رجوعه عليه السلام غاية للعكوف على عبادة العجل على طريق الوعد بتركها لا محالة عند رجوعه بل ليروا ماذا يكون منه عليه السلام وماذا يقول فيه ، وقيل : إنهم علق في أذهانهم قول السامري : { هذا إلهكم وإله موسى فَنَسِىَ } [ طه : 88 ] فغيوا برجوعه بطريق التعلل والتسويف وأضمروا أنه إذا رجع عليه السلام يوافقهم على عبادته وحاشاه ، وهذا مبني على أن المحاورة بينهم وبين هارون عليه السلام وقعت بعد قول السامري المذكور فيكون { مِن قَبْلُ } [ طه : 90 ] على معنى من قبل رجوع موسى ، وذكر أن هذا الجواب يؤيده هذا المعنى لأن قولهم : { لَن نَّبْرَحَ } الخ يدل على عكوفهم حال قوله عليه السلام وهم لم يعكفوا على عبادته قبل قول السامري وإنما عكفوا بعده .

وقال الطيبي : إن جوابهم هذا من باب الأسلوب الأحمق نقيض الأسلوب الحكيم لأنهم قالوه عن قلة مبالاة بالأدلة الظاهرة كما قال نمروذ في جواب الخليل عليه السلام : { أنا أحيي وأميت } [ البقرة : 258 ] فتأمل ، واستدل أبو حيان بهذا التغيي على أن لن لا تفيد التأبيد لأن التغي لا يكون إلا حيث يكون الشيء محتملاً فيزال الاحتمال به .

وأنت تعلم أن القائل بإفادتها ذلك لا يدعي أنها تفيده في كل الموارد وهو ظاهر ، وفي بعض الأخبار أنهم لما قالوا ذلك اعتزلهم هارون عليه السلام في اثني عشر ألفاً وهم الذي لم يعبدوا العجل فلما رجع موسى عليه السلام وسمع الصياح وكانوا يسجدون إذا خار العجل فلا يرفعون حتى يخور ثانية ، وفي رواية كانوا يرقصون عند خواره قال للسبعين الذين كانوا معه : هذا صوت الفتنة حتى إذا وصل قال لقومه ما قال وسمع منهم ما قالوا .