{ قالوا لن نبرح عليه } أي : العجل { عاكفين } أي : مقيمين { حتى يرجع إلينا موسى } فدافعهم فهموا به ، وكان معظمهم قد ضل فلم يكن معه من يقوى بهم ، فخاف أن يجاهد بهم الكفار ، فلا يفيد ذلك شيئاً مع أن موسى لم يأمره بجهاد من ضل ، وإنما قال له : { وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } [ الأعراف ، 142 ] ، فرأى من الإصلاح اعتزالهم إلى أن يأتي .
تنبيه : إنما قال هارون ذلك شفقة على نفسه وعلى الخلق ؛ أما شفقته على نفسه ، فلأنه كان مأموراً من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان مأموراً من عند أخيه بقوله : { اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } [ الأعراف ، 142 ] ، فلو لم يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكان مخالفاً لأمر الله تعالى ، ولأمر موسى ، وذلك لا يجوز . أوحى الله تعالى إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم ، ومائتي ألف من شرارهم ، فقال : يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار ؟ قال : إنهم لم يغضبوا لغضبي ، وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء ، ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين ، فليس منهم » وعن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم : «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد » وعن عبد الله بن أبي أوفى قال : «خرجت أريد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أبو بكر وعمر عنده ، فجاء صغير يبكي ، فقال لعمر : ضم الصبي إليك ، فإنه ضال ، فأخذه عمر ، وإذا أم الصبي تولول كاشفة عن رأسها جزعاً على ابنها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدرك المرأة ، فنادها ، فجاءت ، وأخذت ولدها ، وجعلت تبكي والصبي في حجرها ، فالتفتت ، فرأت النبي صلى الله عليه وسلم فاستحيت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : أترون هذه رحيمة بولدها ؟ قالوا : يا رسول الله كفى بهذه رحمة ، فقال : والذي نفسي بيده إن الله أرحم بالمؤمنين من هذه بولدها » ولقد سلك هارون في موعظته أحسن الوجوه ؛ لأنه زجرهم عن الباطل أولاً بقوله : { إنما فتنتم به } ، ثم دعاهم إلى معرفة الله ثانياً بقوله : { وإن ربكم الرحمن } ، ثم دعاهم ثالثاً إلى النبوة بقوله : { فاتبعوني } ، ثم دعاهم رابعاً بقوله : وأطيعوا أمري ، وهذا هو الترتيب الجيد ؛ لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق ، وهو إزالة الشبهات ، ثم معرفة الله تعالى ، فإنها هي الأصل ، ثم النبوة ، ثم الشريعة ، فثبت أن هذا الترتيب أحسن الوجوه ؛ لأنه زجرهم عن الباطل أولاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.