وقوله تعالى : { لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً واحدا } على تقدير قول إما منصوب على أنه حال من فاعل { دَّعَوَا } [ الفرقان : 13 ] أي دعوا مقولاً لهم ذلك حقيقة كما هو الظاهر بأن تخاطبهم الملائكة لتنبيههم على خلود عذابهم وأنهم لا يجابون إلى ما يدعونه أولا ينالون ما يتمنونه من الهلاك المنجى أو تمثيلاً لهم وتصويراً لحالهم بحال من يقال له ذلك من غير أن يكون هناك قول وخطاب كما قيل أي دعوه حال كونهم أحقاء بأن يقال لهم ذلك ، وإما لا محل له من الإعراب على أنه معطوف على ما قبله أي إذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً دعوا ثبوراً فيقال لهم : لا تدعوا الخ ، أو على أنه مستأنف وقع جواباً عن سؤال مقدر ينسحب عليه الكلام كأنه قيل : فماذا يكون عند دعائهم المذكور ؟ فقيل : يقال لهم ذلك ، والمراد به إقناطهم عما علقوا به أطماعهم من الهلاك وتنبيههم على أن عذابهم الملجىء لهم إلى ذلك أبدى لاخلاص لهم منه على أبلغ وجه حيث أشار إلى أن المخلص مما هو فيه من العذاب عادة غير مخلص وما يخلص غير ممكن فكأنه قيل : لا تدعوا اليوم هلاكاً واحداً فا لا يخلصكم { وادعوا ثُبُوراً } وهلاكاً { كَثِيراً } لا غاية لكثرته لتخلصوا به وأنى بالهلاك الكثير
. ومن لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحد
وهذا معنى دقيق لم أعلم أن أحداً ذكره ، وقيل : وصف الثبور بالكثرة باعتبار كثرة الألفاظ المشعرة به فكأنه قيل : لا تقولوا يا ثبوراه فقط وقولوا يا ثبوراه يا هلا كاه يا ويلاه يا لهفاه إلى غير ذلك وهو كما ترى .
وقال شيخ الإسلام : وصفه بذلك بحسب كثرة الدعاء المتعلق به لا بحسب كثرته في نفسه فإن ما يدعونه ثبور واحد في حد ذاته لكنه كلما تعلق به دعاء من تلك الأدعية الكثيرة صار كأنه ثبور مغاير لما تعلق به دعاء آخر ، وتحقيقه لا تدعوه دعاء واحداً وادعوه أدعية كثيرة فإن ما أنتم فيه من العذاب لغاية شدته وطول مدته مستوجب لتكرير الدعاء في كل آن ، ثم قال : وهذا أدل على فظاعة العذاب وهو له من جعل تعدد الدعاء وتجدده لتعدد العذاب بتعدد أنواعه وألوانه أو لتعدده بتجدد الجلود كما لا يخفى ، وأما ما قيل من أن المعنى إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحداً إنما هو ثبور كثير اما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدته وفظاعته أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها فلا غاية لهلاكهم فلا يلائم المقام كيف وهم إنما يدعون هلاكاً ينهى عذابهم وينجيهم منه فلا بد أن يكون الجواب إقناطاً لهم عن ذلك ببيان استحالته ودوام ما يوجب استدعاءه من العذاب الشديد انتهى ، وتعقب القول بأن وصف الثبور بالكثرة بحسب كثرة الدعاء بأنه لا يناسب النظم وكذا كونه بحسب كثرة الألفاظ المشعرة بالثبور لأنه كان الظاهر أن يقال دعاء كثيراً ، وأما قوله : وأما ما قيل الخ فهو لا يخلو عن بحث فتأمل .
وحكى علي بن عيسى ما ثبرك عن هذا الأمر أي ما صرفك عنه ، وجوز أن يكون الثبور في الآية من ذلك كأنهم ندموا على ما فعلوا فقالوا : واصرفاه عن طاعة الله تعالى كما يقال : واندماه فأجيبوا بما أجيبوا ، وتقييد النهي والأمر باليوم لمزيد التهويل والتفظيع والتنبيه على أنه ليس كسائر الأيام المعهودة التي يخلص من عذابها ثبور واحد ، ويجوز أن يكون ذلك لتذكيرهم بالساعة التي أصابهم ما أصابهم بسبب التكذيب بها ففيه زيادة إيلام لهم ، وقرأ عمر بن محمد { ثُبُوراً } بفتح الثاء في ثلاثتها وفهول بفتح الفاء في المصادر قليل نحو القفول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.