فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّا تَدۡعُواْ ٱلۡيَوۡمَ ثُبُورٗا وَٰحِدٗا وَٱدۡعُواْ ثُبُورٗا كَثِيرٗا} (14)

وأجيب عليهم بقوله :

{ لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا } والقائل لهم هم الملائكة خزنة جهنم ، أي اتركوا دعاء ثبورا واحدا { وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } والثبور مصدر يقع على القليل والكثير ، فلهذا لم يجمع ، ومثله ضربته ضربا كثيرا ، وقعد قعودا طويلا ، فالكثرة ههنا هي بحسب كثرة الدعاء المتعلق به ، لا بحسب كثرته في نفسه ، فإنه شيء واحد ، والمعنى لا تدعوا على أنفسكم بالثبور دعاء واحدا ، وادعوه أدعية كثيرة . فإن ما أنتم فيه من العذاب أشد من ذلك لطول مدته ، وعدم تناهيه . وقيل هذا تمثيل وتصوير لحالهم بحال من يقال له ذلك من غير أن يكون هناك قول وهو خلاف ظاهر القرآن .

وقيل إن المعنى أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا ، بل هو ثبور كثير لأن العذاب أنواع كثيرة ، كل نوع منها ثبور لشدته أو لأنه يتجدد لقوله تعالى { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } أو لأنه ينقطع فهو في كل وقت ثبور ، والأولى أن المراد بهذا الجواب عليهم الدلالة على خلود عذابهم وإقناطهم عن حصول ما يتمنونه من الهلاك المنجي لهم مما هم فيه .

أخرج أحمد ، والبزار والبيهقي ، وغيرهم قال السيوطي بسند صحيح عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن أول ما يكسى حلته من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه ، وذريته من بعده ، وهو ينادي يا ثبوراه ، ويقولون : يا ثبورهم . حتى يقف على الناس ، فيقول : يا ثبوراه ويقولون : يا ثبورهم ، فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ، وادعوا ثبورا كثيرا ) {[1314]}


[1314]:الإمام أحمد 3/152- 3/153- 3/249.