روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ} (54)

{ وَلُوطاً } منصوب بمضمر معطوف على { أرسلنا } [ النمل : 45 ] في صدر قصة صالح عليه السلام داخل معه في حيز القسم أي وأرسلنا لوطاً { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } ظرف للإرسال على أن المراد به أمر ممتد وقع فيه الإرسال وما جرى بينه وبين قومه من الأحوال والأقوال . وجوز أن يكون منصوباً بإضمار اذكر معطوفاً على ما تقدم عطف قصة على قصة و { إِذْ } بدل منه بدل اشتمال وليس بذاك . وقيل : هو معطوف على { صالحاً } [ النمل : 45 ] . وتعقب بأنه غير مستقيم لأن صالحاً بدل أو عطف بيان لأخاهم وقد قيد بقيد مقدم عليه وهو { إلى ثمود } [ النمل : 45 ] فلو عطف عليه تقيد به ولا يصح لأن لوطاً عليه السلام لم يرسل إلى ثمود وهو متعين إذا تقدم القيد بخلاف ما لو تأخر ، وقيل إن تعينه غير مسلم إذ يجوز عطفه على مجموع القيد والمقيد لكنه خلاف المألوف في الخطابيات وارتكاب مثله تعسف لا يليق ، وجوز أن يكون عطفاً على { الذين آمنوا } [ النمل : 53 ] وتعقب بأنه لا يناسب أساليب سرد القصص من عطف احدى القصتين على الأخرى لا على تتمة الأولى وذيلها كما لا يخفى { أَتَأْتُونَ الفاحشة } أي أتفعلون الفعلة المتناهية في القبح والسماجة ، والاستفهام انكاري .

وقوله تعالى : { وَأَنْتُمْ تُبْصرُونَ } جملة حالية من فاعل { تأتون } مفيدة لتأكيد الإنكار فإن تعاطى القبيح من العالم بقبحه أقبح وأشنع ، و { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } من بصر القلب أي افتعلونها والحال أنتم تعلمون علماً يقينياً كونها كذلك .

ويجوز أن يكون من بصر العين أي وأنتم ترون وتشاهدون كونها فاحشة على تنزيل ذلك لظهوره منزلة المحسوس ، وقيل : مفعول { تُبْصِرُونَ } من المحسوسات حقيقة أي وأنتم تبصرون آثار العصاة قبلكم أو وأنتم ينظر بعضكم بعضاً لا يستتر ولا يتحاشى من إظهار ذلك لعدم اكتراثكم به ، ووجه إفادة الجملة على الاحتمالين تأكيد الإنكار أيضاً ظاهر .