فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ} (54)

{ الفاحشة } الخطيئة الكبيرة ، والفعلة البالغة القبح ، وأكثر استعمالها في القرآن بمعنى الزنا ، وقضاء الشهوة مع الرجال أشد فحشا .

{ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون54 أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون55 فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون56 فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين57 وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين58 }

في قصص المرسلين عبرة ، وفي بيان عاقبة المجرمين مثل وذكرى ، فكل عاقل متدبر ألقى السمع إلى كتاب الله تعالى وتدبر آياته يتعلم من أنباء النبيين ما يقوي يقينه ، ويثبته على ما جاء من ربه ، ويحبب إليه أن يقتدي بالمهتدين ليفوز بمرضاة رب العالمين ، كما يعينه العلم بمصير الفاسقين على نهي النفس عن هواها ، وزجرها عن الفسوق و العصيان من قبل أن يريدها ويهلكها ، فكأن المولى سبحانه ينادي نبيه صلى الله عليه وسلم أن اذكر لوطا إذ وعظ قومه ، وأنكر عليهم فسادهم ، واستعلانهم بأخس أنواع الفحش والنكر ، وأن يتراءوا على هذا الجرم الذي ينزل بهم إلى أسفل الدركات ثم لا يستترون بخطئهم الكبير الذي ما سبقهم به أحد من العالمين ، ولكن يقترفونه جهارا ينظر بعضهم إلى بعض ، وقد بين القرآن الكريم في سورة أخرى أن هذا الاستعلان يزيد فاحشتهم مقتا وسوءا : )أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر . . ( {[2870]} .

ولوط عليه السلام قريب لنبي الله تعالى وخليله إبراهيم عليه وعلى نبينا والمرسلين أفضل الصلوات والتسليم ، قالوا كان ابن عمه أو ابن أخيه ، وهو الرجل الذي آمن بإبراهيم قبل أن يرتحل من محلة قومه بالعراق إلى البلاد المباركة حول بيت المقدس ، يقول الله سبحانه )فآمن له لوط . . ( {[2871]} ويقول تبارك اسمه : ( ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين( {[2872]} وفي حياة إبراهيم عليه السلام وبعد هجرتهما أرسل المولى سبحانه نبيه لوطا عليه السلام إلى قوم كانوا يسكنون مدينة سدوم وأعمالها وهي بأرض الغور على مشارف الجبال المحيطة بالقدس ، وبعد تدمير تلك القرى وهاتيك المدن صارت بحيرة منتنة ولعلها المعروفة الآن بالبحر الميت


[2870]:سورة العنكبوت. من الآية29.
[2871]:سورة العنكبوت. من الآية 26.
[2872]:سورة الأنبياء. الآية 71.