روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (16)

{ الذين يَقُولُونَ رَبَّنَا إننا آمناَ } يجوز أن يكون في محل الرفع على أنه خبر لمحذوف كأنه قيل : من أولئك المتقون ؟ فقيل : هم الذين الخ ، وأن يكون في موضع نصب على المدح ، وأن يكون في حيز الجر على أنه تابع { للذين اتقوا } [ آل عمران : 15 ] نعتاً أو بدلاً ، أو العباد كذلك ، واعترض كونه نعتاً للعباد بأن فيه تخصيص الإبصار ببعض العباد ، وفيه أن ذلك التخصيص لا يوهم الاختصاص لظهور الأمر بل يفيد الاهتمام بشأنهم ورفعة مكانهم ، واعترض أيضاً كونه تابعاً للمتقين بأنه بعيد جداً لا سيما إذا جعل اللام متعلقاً بخير لكثرة الفواصل بين التابع والمتبوع ، وأجيب بأنه لا بأس بهذا الفصل كما لا بأس بالفصل بين الممدوح والمدح إذ الصفة المادحة المقطوعة تابعة في المعنى ولهذا يلزم حذف الناصب أو المبتدأ ؛ لئلا يخرج الكلام عن صورة التبعية فالفرق بين هذه وسائر التوابع في قبح الفصل وعدمه خفي لا بد له من دليل نبيل ، وفيه أن قياس التبعية لفظاً ومعنى على التبعية معنى فقط مما لا ينبغي من جاهل ، فضلاً عن عالم فاضل ، والتزام حذف الناصب أو المبتدأ في صورة القطع للمدح أو للذم قد يقال : إنه لدفع توهم الإخبار ، والمقصود الإنشاء لا لئلا يخرج الكلام عن صورة التبعية ، وتأكيد الجملة لإظهار أن إيمانهم ناشىء من وفور الرغبة وكمال النشاط ، وفي ترتيب طلب المغفرة في قوله تعالى : { فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النار } على مجرد الإيمان دليل على كفايته في استحقاق المغفرة والوقاية من النار من غير توقف على الطاعات ، والمراد من الذنوب الكبائر والصغائر .

هذا ( من باب الإشارة ) :{ الذين يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا } بأنوار أفعالك وصفاتك { فاغفر لَنَا } ذنوب وجوداتنا بذاتك { وَقِنَا عَذَابَ } [ آل عمران : 16 ] نار الحرمان ووجود البقية