{ الصابرين } يجوز أن يكون مجروراً وأن يكون منصوباً صفة للذين إن جعلته في موضع جر أو نصب ، وإذا جعلته في محل رفع كان هذا منصوباً على المدح . والمراد بالصبر ، الصبر على طاعة الله تعالى ، والصبر عن محارمه ، قاله قتادة ، وحذف المتعلق يشعر بالعموم في شمل الصبر على البأساء والضراء وحين البأس { والصادقين } في نياتهم وأقوالهم سراً وعلانية وهو المروي عن قتادة أيضاً { والقانتين } أي المطيعين قاله ابن جبير . أو المداومين على الطاعة والعبادة قاله الزجاج أو القائمين بالواجبات قاله القاضي { والمنفقين } من أموالهم في حق الله تعالى قاله ابن جبير أيضاً { والمستغفرين بالأسحار } قال مجاهد والكلبي وغيرهما : أي المصلين بالأسحار . وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال : هم الذين يشهدون صلاة الصبح ، وأخرج ابن جرير عن ابن عمر أنه كان يحيى الليل صلاة ثم يقول : يا نافع أسحرنا ؟ فيقول : لا فيعاود الصلاة فإذا قال : نعم قعد يستغفر الله تعالى ويدعو حتى يصبح ، وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة » وروى الرضا عن أبيه عن أبي عبد الله «أن من استغفر الله تعالى في وقت السحر سبعين مرة فهو من أهل هذه الآية » والباء في بالأسحار بمعنى في ، وهي جمع سحر بفتح الحاء المهملة وسكونها سميت أواخر الليالي بذلك لما فيها من الخفاء كالسحر للشيء الخفي . وقال بعضهم : السحر من ثلث الليل الأخير إلى طلوع الفجر .
وتخصيص الأسحار بالاستغفار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة إذ العبادة حينئذٍ أشد والنفس أصفى والروع أجمع ، وفي «الصحيح » : " أنه تعالى وتنزه عن سمات الحدوث ينزل إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الأخير في قول : من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر " وأخرج ابن جرير وأحمد عن سعيد الجريري قال : «بلغنا أن داود عليه الصلاة والسلام سأل جبريل/ عليه السلام فقال : يا جبريل أيّ الليل أفضل قال : يا داود ما أدري سوى أن العرش يهتز في السحر » وتوسيط الواو بين هذه الصفات المذكورة إما لأن الموصوف بها متعدد وإما للدلالة على استقلال كل منها وكمالهم فيها ، وقول أبي حيان : لا نعلم أن العطف في الصفة بالواو يدل على الكمال رده الحلبي بأن علماء البيان علموه وهم هم .
هذا ( من باب الإشارة ) :{ الصابرين } على مضض المجاهدة والرياضة { والصادقين } في المحبة والإرادة { والقانتين } في السلوك إليه { والمنافقين } ما عداه فيه
{ والمستغفرين } [ آل عمران : 17 ] من ذنوب تلوناتهم وتعيناتهم في أسحار التجليات ، ويقال : ( الصابرين ) الذين صبروا على الطلب ولم يحتشموا من التعب وهجروا كل راحة وطرب فصبروا على البلوى ورفضوا الشكوى حتى وصلوا إلى المولى ولم يقطعهم شيء من الدنيا والعقبى ( والصادقين ) الذين صدقوا في الطلب فوردوا ، ثم صدقوا فشهدوا ، ثم صدقوا فوجدوا ، ثم صدقوا ففقدوا فحالهم قصد ثم ورود ثم شهود ثم وجود ثم خمود ( والقانتين ) الذين لازموا الباب/ وداوموا على تجرع الاكتئاب وترك المحاب إلى أن تحققوا بالاقتراب ( والمنفقين ) الذين جادوا بنفوسهم من حيث الأعمال ثم جادوا بميسورهم من الأموال ثم جادوا بقلوبهم لصدق الأحوال ثم جادوا بكل حظ لهم في العاجل والآجل استهلاكاً في أنوار الوصال ( والمستغفرين ) هم الذين يستغفرون عن جميع ذلك إذا رجعوا إلى الصحو وقت نزول الرب إلى السماء الدنيا وإشراق أنوار جماله على آفاق النفس وندائه «هل من سائل هل من مستغفر هل من كذا هل من كذا »
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.