الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (16)

قوله تعالى : { الَّذِينَ يَقُولُونَ } : يَحْتَمِلُ مَحَلُّه الرفعَ والنصبَ والجَّر ، فالرفعُ من وجهين ، أحدُهما : أنه مبتدأ محذوفٌ الخبرِ ، تقديرُه : الذين يقولون كذا مستجابٌ لهم ، أو لهم ذلك الخيرُ المذكورُ . والثاني : أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ ، كأنه قيل : مَنْ هم هؤلاء المتقون ؟ فقيل : الذينَ يقولون كَيْتَ وكيتَ .

والنصبُ من وجهٍ واحد ، وهو النصبُ بإضمار أَعْني أو أمدحُ ، وهو نظيرُ الرفعِ على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ ، ويُسَمَّيان الرفعَ على القطعِ والنصبَ على القطعِ . والجَرُّ مِنْ وجهين ، أحدهما : النعتُ والثاني البدلُ ، ثم لك في جَعْلِه نعتاً أو بدلاً وجهان ، أحدُهُما : جَعْلُه نعتاً للذين اتقوا أو بدلاً منه ، والثاني : جَعْلُه نعتاً للعباد أو بدلاً منهم . واستضعف أبو البقاء جَعْلَه نعتاً للعباد . قال : " لأنَّ فيه تخصيصاً لعلمِ الله تعالى " ، وهو جائزٌ على ضَعْفِهِ ، ويكون الوجهُ فيه إعلامَهم بأنه عالمٌ بمقدار مشقتهم في العبادة فهو يُجازِيهم عليها كما قال : { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ } [ النساء : 25 ] .

والجملةُ من قوله : " واللهُ بصيرٌ " يجوز أن تكونَ معترضةً لا محلَّ لها إذا جَعَلْتَ { الَّذِينَ يَقُولُونَ } تابعاً للذين اتقوا نعتاً أو بدلاً ، وإنْ جَعَلْتَه مرفوعاً أو منصوباً فلا .