اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (16)

قوله تعالى : { الَّذِينَ يَقُولُونَ } يحتمل أن يكون محلُّه الرفعَ ، والنصبَ ، والجرَّ ، فالرفع من وجهينِ :

أحدهما : أنه مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : الذين يقولون كذا مستجاب لهم ، أو لهم ذلك الجزاء المذكور .

الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قيل : مَنْ هُمْ هؤلاء المتقون ؟ فقيل : الذين يقولون كيت ، وكيت .

والنصب من وجه واحدٍ ، وهو النصب بإضمار أعني ، أو أمدح ، وهو نظير الرفع على خبر ابتداء مضمر ، ويُسَمَّيَان : الرفع على القطع ، والنصب على القطع .

والجر من وجهين :

أحدهما : النعت .

والثاني : البدل ، ثم لك - في جعله نَعْتاً أو بَدَلاً - وجهان :

أحدهما : جعله نعتاً لِلَّذِينَ اتَّقَوا ، أو بدلاً منه .

والثاني : جعله نعتاً للعباد ، أو بدلاً منهم .

واستضعف أبو البقاء جعله نعتاً للعباد ، قال : [ ويضعف أن يكون صفةً للعباد ] {[11]} ؛ لأن فيه تخصيصاً لعلم اللهِ ، وهو جائز - على ضعفه - ويكون الوجه فيه إعلامهم بأنه عالم بمقدار مشقتهم في العبادة ، فهو يُجازيهم عليها ، كما قال : { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم } [ النساء : 25 ] .

والجملة من قوله : { وَاللَّهُ بَصِيرٌ } يجوز أن تكون معترضة ، لا محل لها ، إذا جعلتَ " الَّذِينَ يَقُولُونَ " تابعاً لِ " الَّذِينَ اتَّقَوا " - نعتاً أو بدلاً- ، وإن جعلته مرفوعاً ، أو منصوباً فلا .

فصل

اعلم أن قولَهم { رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } يدل على أنهم توسَّلوا بمجرد الإيمان إلى طلب المغفرة ، والله - تعالى - مدحهم بذلك ، وأثْنَى عليهم ، فدلَّ هذا على أن العبد - بمجرد الإيمان - يستوجب الرحمةَ والمغفرةَ من الله تعالى ، ويؤيِّدُ هذا قولُه تعالى : { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ } [ آل عمران : 193 ] .

فإن قيل : أليس أنه تعالى اعتبر جملة الطاعات في حصول المغفرة ؛ حيث أتبع هذه الآية بقوله : { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ } ؟

فالجواب : أن هذه الآيةَ تؤكد ما قلنا ؛ لأنه - تعالى - جعل مجردَ الإيمانِ وسيلةً إلى طَلَب المغفرة ، ثم ذكر بعده صفاتِ المطيعين ، وهي كونهم صابرين صادقين ، ولو كانت هذه الصفات شرائطَ للحصول على المغفرة لكان ذِكرُها قبل طَلَب المغفرة أولى ، فلما رتَّب طلب المغفرة على مجرد الإيمان ، ثم ذكر بعده هذه الصفاتِ ، علمنا أن هذه الصفاتِ غيرُ معتبرة في حصول أصل المغفرة ، وإنما هي مُعْتَبَرَة في حصول كمال الدرجات .


[11]:سقط في ب.