قوله تعالى : { الَّذِينَ يَقُولُونَ } يحتمل أن يكون محلُّه الرفعَ ، والنصبَ ، والجرَّ ، فالرفع من وجهينِ :
أحدهما : أنه مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : الذين يقولون كذا مستجاب لهم ، أو لهم ذلك الجزاء المذكور .
الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قيل : مَنْ هُمْ هؤلاء المتقون ؟ فقيل : الذين يقولون كيت ، وكيت .
والنصب من وجه واحدٍ ، وهو النصب بإضمار أعني ، أو أمدح ، وهو نظير الرفع على خبر ابتداء مضمر ، ويُسَمَّيَان : الرفع على القطع ، والنصب على القطع .
والثاني : البدل ، ثم لك - في جعله نَعْتاً أو بَدَلاً - وجهان :
أحدهما : جعله نعتاً لِلَّذِينَ اتَّقَوا ، أو بدلاً منه .
والثاني : جعله نعتاً للعباد ، أو بدلاً منهم .
واستضعف أبو البقاء جعله نعتاً للعباد ، قال : [ ويضعف أن يكون صفةً للعباد ] {[11]} ؛ لأن فيه تخصيصاً لعلم اللهِ ، وهو جائز - على ضعفه - ويكون الوجه فيه إعلامهم بأنه عالم بمقدار مشقتهم في العبادة ، فهو يُجازيهم عليها ، كما قال : { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم } [ النساء : 25 ] .
والجملة من قوله : { وَاللَّهُ بَصِيرٌ } يجوز أن تكون معترضة ، لا محل لها ، إذا جعلتَ " الَّذِينَ يَقُولُونَ " تابعاً لِ " الَّذِينَ اتَّقَوا " - نعتاً أو بدلاً- ، وإن جعلته مرفوعاً ، أو منصوباً فلا .
اعلم أن قولَهم { رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } يدل على أنهم توسَّلوا بمجرد الإيمان إلى طلب المغفرة ، والله - تعالى - مدحهم بذلك ، وأثْنَى عليهم ، فدلَّ هذا على أن العبد - بمجرد الإيمان - يستوجب الرحمةَ والمغفرةَ من الله تعالى ، ويؤيِّدُ هذا قولُه تعالى : { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ } [ آل عمران : 193 ] .
فإن قيل : أليس أنه تعالى اعتبر جملة الطاعات في حصول المغفرة ؛ حيث أتبع هذه الآية بقوله : { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ } ؟
فالجواب : أن هذه الآيةَ تؤكد ما قلنا ؛ لأنه - تعالى - جعل مجردَ الإيمانِ وسيلةً إلى طَلَب المغفرة ، ثم ذكر بعده صفاتِ المطيعين ، وهي كونهم صابرين صادقين ، ولو كانت هذه الصفات شرائطَ للحصول على المغفرة لكان ذِكرُها قبل طَلَب المغفرة أولى ، فلما رتَّب طلب المغفرة على مجرد الإيمان ، ثم ذكر بعده هذه الصفاتِ ، علمنا أن هذه الصفاتِ غيرُ معتبرة في حصول أصل المغفرة ، وإنما هي مُعْتَبَرَة في حصول كمال الدرجات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.