فلا في قوله عز وجل : { فَلاَ أُقْسِمُ } مزيدة للتأكيد مثلها في قوله تعالى : { لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب } [ الحديد : 29 ] أو هي لام القسم أشبعت فتحتها فتولدت منها ألف نظير ما في قوله
: أعوذ بالله من العقراب *** واختاره أبو حيان ثم قال : وهو وإن كان قليلاً فقد جاء نظيره في قوله تعالى : { فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ } [ إبراهيم : 37 ] بياء بعد الهمزة وذلك في قراءة هشام .
ويؤيد قراءة الحسن . وعيسى . فلا قسم وهو مبني على ما ذهب إليه تبعاً لبعض النحويين من أن فعل الحال يجوز القسم عليه فيقال : والله تعالى ليخرج زيد وعليه قول الشاعر
: ليعلم ربي أن بيتي واسع *** وحينئذ لا يصح أن يقرن الفعل بالنون المؤكدة لأنها تخلصه للاستقبال خلاف المراد ، والذي اختاره ابن عصفور . والبصريون أن فعل الحال كما هنا لا يجوز أن يقسم عليه ومتى أريد من الفعل الاستقبال لزمت فيه النون المؤكدة فقيل : لأقسمن وحذفها ضعيف جداً ، ومن هنا خرجوا قراءة الحسن . وعيسى على أن اللام لام الابتداء والمبتدا محذوف لأنها لا تدخل على الفعل والتقدير فلأنا أقسم ، وقيل : نحوه في قراءة الجمهور على أن الألف قد تولدت من الاشباع ، وتعقب بأن المبتدأ إذا دخل عليه لام الابتداء يمتنع أو يقبح حذفه لأن دخولها لتأكيده وهو يقتضي الاعتناء به وحذفه يدل على خلافه ، وقال سعيد بن جبير . وبعض النحاة : لا نفي وردّ لما يقوله الكفار في القرآن من أنه سحر وشعر وكهانة كأنه قيل : فلا صحة لما يقولون فيه ثم استؤنف فقيل : { أُقْسِمُ } الخ ، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يجوز لما فيه من حذف اسم لا وخبرها في غير جواب سؤال نحو لا في جواب هل من رجل في الدار ، وقيل : الأولى فيما إذا قصد بلا نفي لمحذوف واستئناف لما بعدها في اللفظ الاتيان بالواو نحو لا وأطال الله تعالى بقاءك ، وقال : بعضهم إن لا كثيراً ما يؤتى بها قبل القسم على نحو الاستفتاح كما في قوله
: ( لا وأبيك ) ابنة العامري *** لا يدّعي القوم إني أفرّ
وقال أبو مسلم وجمع : إن الكلام على ظاهره المتبادر منه ، والمعنى لا أقسم إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أي لا يحتاج إلى قسم مّا فضلاً عن أن هذا القسم العظيم ، فقول مفتي الديار الرومية أنه يأباه تعيين المقسم به وتفخيمه ناشئ عن الغفلة على ما لا يخفى على فطن { بمواقع النجوم } أي بمساقط كواكب السماء ومغاربها كما جاء في رواية عن قتادة . والحسن على أن الوقوع بمعنى السقوط والغروب وتخصيصها بالقسم لما في غروبها من زوال أثرها ، والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير ، ولذا استدل الخليل عليه السلام بالأفول على وجود الصانع جل وعلا ، أو لأن ذلك وقت قيام المتهدين والمبتهلين إليه تعالى وأوان نزول الرحمة والرضوان عليهم .
وقد أخرج البخاري . ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له " وعن الحسن أيضاً المراد مواقعها عند الانكدار يوم القيامة قيل : وموقع عليه مصدر ميمي أو اسم زمان ولعل وقوعها ذلك اليوم ليس دفعة واحدة والتخصيص لما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث ، وعن أبي جعفر . وأبي عبد الله على آبائهما وعليهما السلام المراد مواقعها عند الانقضاض إثر المسترقين السمع من الشياطين ، وقد مرّ لك تحقيق أمر هذا الانقضاض فلا تغفل ، وقيل : مواقع النجوم هي الأنواء التي يزعم الجاهلية أنهم يمطرون بها ، ولعله مأخوذ من بعض الآثار الواردة في سبب النزول وسنذكره إن شاء الله تعالى وليس نصاً في إرادة الأنواء بل يجوز عليه أن يراد المغارب مطلقاً .
وأخرج عبد الرزاق . وابن جرير عن قتادة أنها منازلها ومجاريها على أن الوقوع النزول كما يقال : على الخبير سقطت وهو شائع والتخصيص لأن له تعالى في ذلك من الدليل على عظيم قدرته وكمال حكمته ما لا يحيط به نطاق البيان ، وقال جماعة منهم ابن عباس : النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها .
وأخرج النسائي . وابن جرير . والحاكم وصححه . والبيهقي في «الشعب » عنه أن قال : " أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين " وفي لفظ " ثم نزل من السماء الدنيا إلى الأرض نجوماً ثم قرأ فلا أقسم بمواقع النجوم " وأيد هذا القول بأن الضمير في قوله تعالى بعد : { إِنَّهُ لَقُرْءانٌ } يعود حينئذٍ على ما يفهم من مواقع النجوم حتى يكاد يعدّ كالمذكور صريحاً ولا يحتاج إلى أن يقال يفسره السياق كما في سائر الأقوال ، ووجه التخصيص أظهر من أن يخفى ، ولعل الكلام عليه من باب
: وثناياك إنها إغريض *** وقرأ ابن عباس . وأهل المدينة . وحمزة . والكسائي { بمواقع } مفرداً مراداً به الجمع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.