التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{قَالَ لَا تُؤَاخِذۡنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرۡهِقۡنِي مِنۡ أَمۡرِي عُسۡرٗا} (73)

اعتذر موسى بالنسيان وكان قد نسي التزامه بما غشي ذهنه من مشاهدة ما ينكره .

والنهي مستعمل في التعطف والتماس عدم المؤاخذة ، لأنه قد يؤاخذه على النسيان مؤاخذةَ من لا يَصلح للمصاحبة لما ينشأ عن النسيان من خطر . فالحَزامة الاحتراز من صحبة من يطرأ عليه النسيان ، ولذلك بني كلام موسى على طلب عدم المؤاخذة بالنسيان ولم يبن على الاعتذار بالنسيان ، كأنه رأى نفسه محقوقاً بالمؤاخذة ، فكان كلاماً بديع النسيج في الاعتذار .

والمؤاخذة : مفاعلة من الأخذ ، وهي هنا للمبالغة لأنها من جانب واحد كقوله تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } [ النحل : 61 ] .

و ( ما ) مصدرية ، أي لا تؤاخذني بنسياني .

والإرهاق : تعدية رهق ، إذا غشِي ولحق ، أي لا تُغشِّني عسراً . وهو هنا مجاز في المعاملة بالشدة .

والإرهاق : مستعار للمعاملة والمقابلة .

والعسر : الشدة وضد اليسر . والمراد هنا : عسر المعاملة ، أي عدم التسامح معه فيما فعله فهو يسأله الإغضاء والصفح .

والأمر : الشأن .

و ( مِن ) يجوز أن تكون ابتدائية ، فكون المراد بأمره نسيانه ، أي لا تجعل نسياني منشئاً لإرهاقي عُسراً . ويجوز أن تكون بيانية فيكون المراد بأمره شأنه معه ، أي لا تجعل شأني إرهاقك إياي عسراً .