اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ لَا تُؤَاخِذۡنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرۡهِقۡنِي مِنۡ أَمۡرِي عُسۡرٗا} (73)

قال موسى { لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ } .

قال ابن عبَّاس{[1]} : إنَّه لم ينس ، ولكنَّه من معاريض الكلام ، فكأنَّه نسي شيئاً آخر .

وقيل : معناه : بما تركت من عهدك ، والنِّسيان التَّرك .

وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كانت الأولى من موسى نسياناً ، والوسطى شرطاً ، والثالثة عمداً " {[2]} .

فصل في الرد على الطاعنين في عصمة الأنبياء

قال ابن الخطيب{[3]} : احتجَّ الطَّاعنون في عصمة الأنبياءِ بهذه الآية من وجهين :

أحدهما : أنه ثبت بالدليل أن ذلك العالم كان نبيًّا ، ثم قال موسى : " أخَرقتهَا ، لتُغْرِقَ أهْلهَا " ، فإن صدق موسى في هذا القول ، دلَّ ذلك على صدور الذَّنْب العظيم من ذلك النبيِّ ، وإن كذب ، دلَّ ذلك على صدور الذنب [ العظيم ]{[4]} من موسى .

والثاني : أنه التزم أنَّه لا يعترض على ذلك العالمِ ، وجرت العهود المذكورة بذلك ، ثم إنَّه خالف تلك العهود ، وذلك ذنبٌ .

فالجواب عن الأول : أن موسى ، لما شاهد منه الأمر الخارج عن العادةِ ، قال هذا الكلام ، لا لأجل أنه اعتقد فيه أنه فعل قبيحاً ، بل إنَّه أحبَّ أن يقف على وجهه وسببه ، وقد يقال في الشيء العجيب الذي لا يعرف سببه : إنَّه إمرٌ .

وعن الثاني : أنَّه إنما خالف الشَّرط ؛ بناءً على النِّسيان ، ثم إنه تعالى حكى عن ذلك العالم أنَّه [ لما خالف الشرط ] لم يزد على أن قال : { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } ، فعندها اعتذر موسى بقوله : { لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ } أراد أنه نسي وصيَّته ، ولا مؤاخذة على الناسي ، { وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } أي : لا تكلِّفني مشقَّة ، يقال : أرهقهُ عسراً وأرهقته عسراً ، أي : كلَّفتهُ ذلك . لا تضيِّق عليَّ أمري ، لا تعسِّر متابعتك [ ويسرها عليّ ]{[5]} بالإغضاء ، وترك المناقشة ، وعاملني باليسر ، ولا تعاملني بالعسر .

و " عُسْراً " : مفعول ثانٍ ل " تُرهِقْنِي " من أرهقه كذا ، إذا حمَّله إيَّاه ، وغشَّاه به ، و " ما " في " بِمَا نسيتُ " مصدرية ، أو بمعنى " الذي " والعائد محذوف .

وقرأ أبو جعفر : " عُسُراً " بضمِّ السين ، حيث وقع .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[4]:أخرجه البخاري (4/301)، كتاب: فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر رقم (2015)، ومسلم (2/822)، كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها... رقم (205- 1165).
[5]:تقدم.