التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرۡحَمُ مَن يَشَآءُۖ وَإِلَيۡهِ تُقۡلَبُونَ} (21)

لما ذكر النشأة الآخرة أتبع ذكرها بذكر أهم ما تشتمل عليه وما أوجدت لأجله وهو الثواب والعقاب .

وابتدىء بذكر العقاب لأن الخطاب جار مع منكري البعث الذين حظهم فيه هو التعذيب . ومفعولا فعلي المشيئة محذوفان جرياً على غالب الاستعمال فيهما . والتقدير : من يشاء تعذيبه ومن يشاء رحمته . والفريقان معلومان من آيات الوعد والوعيد ؛ فأصحاب الوعد شاء الله رحمتهم وأصحاب الوعيد شاء تعذيبهم ، فمن الذين شاء تعذيبهم المشركون ومن الذين شاء رحمتهم المؤمنون ، والمقصود هنا هم الفريقان معاً كما دل عليه الخطاب العام في قوله { وإليه تقلبون } .

والقلب : الرجوع ، أي وإليه ترجعون .

وتقديم المجرور على عامله للاهتمام والتأكيد إذ ليس المقام للحصر إذ ليس ثمة اعتقاد مردود . وفي هذا إعادة إثبات وقوع البعث وتعريض بالوعيد .