اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرۡحَمُ مَن يَشَآءُۖ وَإِلَيۡهِ تُقۡلَبُونَ} (21)

قوله تعالى : { يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ } ، قدم التعذيب في الذكر على الرحمة مع أن رحمته سابقة كما قال عليه ( الصلاة و ){[41235]} السلام عنه تعالى{[41236]} : «سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي »{[41237]} ؛ لأن السابق ذكر الكفار فذكر العذاب يسبق ذكر مستحقه بحكم الإيعاد ، وعقبه بالرحمة فذكر الرحمة وقع تبعاً لئلا يكون العذاب مذكوراً وحده ، وهذا يحقق قوله عليه ( الصلاة و ){[41238]} السلام عنه : «سبقت رحمتي غضبي » ، وذلك أن الله تعالى حيث كان المقصود ذكر العذاب ، لم يخصه بالذكر ، بل ذكر الرحمة معه ، فإن قيل : إن كان ذكر هذه الآية لتخويف العاصي ، وتفريح المؤمن ، فلو قال : يعذب الكافر ويرحم المؤمن لَكَانَ أدخل في تحصيل المقصود .

وقوله : { يعذب من يشاء } لا يرهب الكافر ، لجواز أن يقول : لعلي لا أكون ممن يشاء الله عذابي .

فالجواب : هذا أبلغ في التخويف لأن الله أثبت بهذا إنفاذ مشيئته ، وأنه إذا أراد تعذيب شخص فلا يمنعه منه مانع ثم كان من المعلوم للعباد بحكم الوعد والإيعاد أنه إذا شاء تعذيب الكافر فلزم منه الخوف العام بخلاف ما لو قال : يعذب العَاصي ، فإنه لا يدل على كمال مشيئته لأنه لا يبعد{[41239]} أنه لو شاء عذاب المؤمن لعذبه ، وإذا لم يبعد{[41240]} هذا فنقول الكافر إذا لم يحصل مراده في تلك الصورة يمكن أن ( لا ){[41241]} يحصل في صورة أخرى{[41242]} .

ومثاله إذا قيل : إن الملك يقدر على ضرب المخالفين ، ولا يقدر على ضرب المطيع فإذا قال : من خالفني أضربه يقع في وهم المخاطب أنه لا يقدر على ضرب المطيع ، فلا يقدر{[41243]} أيضاً عليّ ( لكوني مثله ){[41244]} ، وفيه فائدة أخرى وهو الخوف العام والرجاء العام لأن الأمن الكلي من الله يوجب الجراءة فيفضي إلى صيرورة المطيع عاصياً .

قوله : «وإلَيْهِ تُقْلَبُونَ » أي تُرَدُّونَ{[41245]} ،


[41235]:في أ: السلام فقط وما بين القوسين تكملة من "ب".
[41236]:في ب: عن ربه تعالى.
[41237]:ذكره الرازي دون إسناد في تفسيره 25/49.
[41238]:زيادة وتكملة من ب.
[41239]:في كتاب الفخر الرازي يفيد وهو الأصحّ والصواب.
[41240]:في كتاب الفخر الرازي يفيد وهو الأصح والصواب.
[41241]:سقط النفي هذا من تفسير الفخر الرازي.
[41242]:انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي 25/49.
[41243]:في ب: ولا يقدر- بالواو.
[41244]:ساقط من ب. والعبارة في تفسير الفخر الرازي، انظره 25/49.
[41245]:انظر: غريب القرآن لابن قتيبة 337، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 2/114 "ترجعون".